المقالات

مواصفات المعلم (الذي نحتاجه، وكيفية إعداده؟)

بقلم: مرتضى بن حسن بن علي 

[email protected]

التعليم الجيد والمتطور بحاجة إلى عناصر عديدة تتكامل مع بعضها البعض،فبالإضافة إلى المناهج الجيدة المتطورة والإدارة التعليمية الكفوءة والبيئة المدرسية المناسبة، فإن التعليم الجيد بحاجة إلى معلم جيد.
إنّ طريقة إعداد معلمي المستقبل تستحق التمعن، فعجلة التطور الانساني والثورة التكنولوجية التي تجتاح العالم بجميع مرافقها جعلت من ثلاثية “العلم- التكنولوجيا- التنمية الشاملة” بصمةً لا غنى عنها، وفرضت على بيئات التعلم تحولات تستدعي إيقاظ الإبداعات الكامنة عند المتعلمين، مما يتطلب التقويم المستمر للتعليم ونظرياته، والسعي الدؤوب إلى جعله يواكب متغيرات العصر الذي نعيشه وتحدياته، وكل ذلك بحاجة إلى معلم جيد عالي الكفاءة، ومن الصعب الارتقاء بالتعليم من دون الارتقاء بالمعلم أيضا،وفي جميع المراحل الدراسية إبتداءً من الروضة وصولا إلى التعليم العالي وما بعده، معلم قادر  على إيصال  المعلومة بشكل صحيح، سواء أكان  ذلك في الفروع الفنية والتقنية أو الفروع الأكاديمية. 

من الطبيعي أن يدخل الطلبة الحاصلين على المعدلات العالية الى كليات الطب والهندسة، ولكن ليس من الطبيعي أن يدخل الطلبة  الحاصلين على أدنى الدرجات بالدخول في بلداننا  إلى  كليات التعليم، هذا يدل على قصر نظر كبير  عن  أهمية دور  المعلم، فإذا  كان الطبيب والمهندس مسؤولان عن أعداد معينة من الناس، فإن المعلم يكون مسؤولا عن مصير وحياة المجتمع بأسره، ولذلك تأتي أهمية  إختيار  المعلم الجيد وإعداده  بأحدث الطرق وتزويده بالمؤهلات المختلفة بحيث يكون قادرا من إيصال المعلومة بطريقة صحيحة، ويتمكن ان يتعامل  مع الانسان الصغير  بطريقة ناجحة  ومؤثرة.

فما هي الصفات التي يجب أن تتوفر في معلم الغد؟ 
معلم الغد لا بد أن يمتلك شخصية قادرة على فهم الطلبة وإستيعابهم وتشجيعهم على إجراء النقاشات الفكرية المختلفة وخصوصا  في المراحل العليا من التعليم الثانوي وفي الكليات، ويكون منفتح العقل والفكر على المراحل العمرية المختلفة التي يمر بها الطالب، معلم لا يفكر إلا  بالتعليم، وينال إحترام المجتمع الذي  يرفع له القبعة، معلم لا يكتفي  بالإعتماد على الكتاب المقرر، بل يعتمد ايضا على عدة كتب، وعلى الوسائل التعليمية والتكنولوجية الاخرى مثل الوسائل الصوتية والمرئية، ويعطي الفرصة للطالب لكي يقوم بالتفكير والاستنباط والتحليل، ويساهم على تقوية النمو الفكري للطالب ويساعده بالبحث  عن المعلومة الصحيحة والخاطئة معا لكي يكون قادرا على التمييز  بين الاثنين، وهي وسائل تقرب المعلومة للطالب وتساعده على استيعابها، معلم قادر ان يفتح مجالًا  للحوار والنقاش ويكون قادرا ان يشرح كيف يكون المواطن فاعلا في المجتمع، قادرا على النهوض بالوطن نحو الأفضل، معلم لا يقوم بحشو المعلومات في رأس الطالب والتي ستتساقط فيما بعد كما تتساقط اوراق الاشجار  في  الخريف، معلم مستوعب للطرق الحديثة للتقويم، قادر على تقويم طريقة الطالب في التعبير عن نفسه وتحسين أدائه وقادر على مزج النظري بالعملي، فلا فائدة من دراسة المواد النظرية من دون ملاحظة الطالب بالعين المجردة عن طريق الدروس العملية، فلا فائدة من المعادلات المختلفة من دون القدرة على التطبيق العملي لهذه المعادلات، معلم قادر على تأهيل الطالب للحياة العملية وليس تأهيله فقط  على حفظ المزيد من  المعلومات من دون استيعابها ونسيانها فيما بعد، معلم قادر على تحسين الامتحانات الورقية والشفوية  ووضعها بالطريقة الصحيحة لكي يتم من خلالها قياس مدى فهم الطالب للمادة بالشكل الصحيح وليس حفظها مثلما موجود في الكتاب، معلم قادر على إثارة دافعية المتعلم وتحسين تحصيله وادائه بشتى الوسائل والتقنيات، معلم يسعى دائما إلى تطوير نفسه ذاتيا والرقي بنموه المهني والعمل على تنمية المجتمع وينتقل  من المزود الوحيد للعملية التعليمية إلى مساعد ومشرف على الطلاب ليبحثوا عن المعلومة بانفسهم، معلم قادر على تحويل  البيئة التعليمية التقليدية إلى بيئة تفاعلية وتعاونية تعمل على إنجاز  الاعمال على أكمل وجه، معلم يلعب ادوارا متعددة تربوية واجتماعية، تساير روح العصر، معلم  ناقل مهم للمعرفة وليس مجرد موصل للمعلومات الموجودة في الكتاب المدرسي عن طريق التلقين فقط، قادر على مساعدة الطلبة  في عملية التعلم  الذاتي، ويساهم  مع الطلاب في الاستعداد للدروس والبحث والدراسة مستنيرين بارشاداته وقادرين على مناقشته، معلم يلعب دورا مهما في رعاية النمو الشامل للطلاب. 

كل هذه الصفات وأكثر تراعيها الدول المتقدمة، وللاسف الشديد ان معظم دولنا لم تراعي ذلك ولم تكترث له، ولم تعطي هذا الملف الأهمية التي يستحقها،أو اليس من حق المعلم والمعلمة على المجتمع ومن حق المجتمع عليهما، ان تكون مهنة التعليم من ضمن المهن الاجتماعية الرفيعة، مكانة وتقديرا وأكتفاءا ماديا؟  إن المعلم المتعلم والمثقف والممتهن والملتزم يعتبر عنصرا بالغ الاهمية لاصلاح وتطوير النظام التعليمي، ومن دون وجود هذا النوع من المعلم المؤهل علميا وثقافيا واجتماعيا، لن نتمكن من اصلاح وتطوير التعليم، مهما كانت المقررات والمناهج جيدة، وإذا ما نجحنا في ذلك، فإننا سوف نتمكن أن نردد قول الشاعر الكبير أحمد شوقي، ذلك القول الذي كان يُردد على مسامعنا عندما كنا صغارا : 
قُم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم ان يكون رسولا.

ومن أجل   الإعداد الجيد  لمعلمي المستقبل، فعلينا لَيْس  التركيز  على أحسن  الطلبة في امتحان الدبلوم العام واختيار الحائزين على أعلى الدرجات فقط، وأنما القيام بعد ذلك بإجراء مقابلات شخصية مع كل طالب وطالبة على إنفراد من قبل لجنة متخصصة تضم خبراء تربويين إضافة إلى خبراء في علمي النفس والاجتماع، لاختبار قدراتهم الشخصية والنفسية والاجتماعية لمعرفة مدى إمتلاكهم لمهارات التواصل والتخاطب، والقدرة على التعامل مع هذا الانسان الصغير في المدرسة، وغيرها من المتطلبات الاساسية الضرورية لقبولهم في الكلية، 
وقد  تتطلب العملية وضع الحدود الزمنية الادنى للدراسة الجامعية لمعلمي المستقبل ودراسة أنواع ومستويات المقررات الاكاديمية والتطبيقية التي  يجب أن توفرها الكلية المتخصصة، ومن ضمن ذلك مواد ومقررات في علمي النفس والاجتماع، وتحديد الوسائل ومدة الخبرة العملية التي  يجب أن يقضيها المعلم كمتدرب، بعد تخرجه من الكلية آو أثناء  وجوده فيها، قبل تعيينه  كمعلم، للتأكد على قدراته لتحمل مسؤولية التعليم بكفاءة. 

ومن أجل  تزويد المعلم بأكبر عدد من المعلومات والمهارات، ربما يكون ضروريا إعادة النظر في عدد السنوات الدراسية في الكلية  “مثلا بين أربعة  سنوات وست سنوات”،حسب مستوى المرحلة التعليمية آلتي  يود الطالب التدريس فيها “الروضة، الابتدائية، الثانوية باقسامها المختلفة، ويشمل التدريب العملي بالنسبة لمعلمي الاقسام الفنية والتقنية “،كما من الضروري أن يتم الحاقه للتدريب العملي في السنة الأخيرة، ومن أجل ان يكون التعليم مستمرا ويتمكن المعلم من متابعة أحدث التطورات والنظريات والتطبيقات العالمية في الحقل التعليمي، يتم ربط  ترقيته على مدى تقدمه في التعلم المستمر، أما بالنسبة للمعلمين الحاليين، فمن الضررري إيجاد  برامج شاملة مستمرة  لاعادة تعليم وتدريب جميع المعلمين وبصورة مستمرة وربط ترقياتهم بمدى تعلمهم واستيعابهم للبرامج المختلفة، هذا إن أردنا تعليما عصريا يتواكب بشكل متسارع مع متغيرات المستقبل، وتكون اجيالنا متقدمة ورائدة في كافة المجالات العملية والحياتية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى