الغناء والبناء

بقلم : مسلم بن أحمد العوائد
بناء الأوطان والمجتمعات، وقبل ذلك بناء الإنسان بوصفه المحور الرئيس في هذا الكون الكبير، يقوم على العمل والمعرفة والإخلاص، وقلب سليم، وعقيدة صادقة. قال تعالى:
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
وديننا الحنيف يحث على العمل الشريف، ولا يربطه بعمر أو ظرف أو غنى أو فقر، ولا باختيارات شكلية. قال رسول الله ﷺ:
“لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره، خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه”.
هذا قبل…
أما بعد…
فإن المتابع للساحات الاجتماعية القريبة والبعيدة يرى توافقا واضحا على التنافس في حفلات الغناء والشيلات والمسابقات وأشباهها، حيث تُفتح لها خزائن المال، وتُلوى لها القوانين، لتتربع وتنغرس في قلوب وعقول النشء والشباب. وفي المقابل، يلاحظ تضييق شديد على بعض محاضن التربية، وعلى رأسها المساجد
واهمال للبحوث العلمية وتطبيق نتائجها. وكأن لسان حال القائمين على هذه السياسات يقول:
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما
يراد الفتى كيما يضر وينفع.
أخيرا…
تتفق الدعوات الرسمية والاجتماعية والدينية والقانونية والأمنية على ضرورة الاهتمام بالشباب، باعتبارهم عماد الأوطان ومستقبلها وأمنها ومكانتها. غير أن الواقع يكشف تناقضا عجيبا، إذ يتم دعم فعاليات الغناء والمسابقات الترفيهية في مختلف المواسم والمناطق، و روادها الشباب سواعد الاوطان وقوتها ومستقبلها ف ثم يُطالب الشباب بالبناء والولاء والانتماء والبذل والعطاء، بعد أن غرس فيهم عشق اللهو والسهر والغناء والرقص بأشكاله المختلفة.
ختاما…
تُشكل الدول هيئات لمكافحة الفساد وأخرى للنزاهة، وغالبا تعنى بالجوانب المالية والقانونية، بينما إلهاء الشباب باللهو والغناء والمسابقات المشابهة هو عين الفساد، بل هو سبب خراب وتفكيك المجتمعات والدول، لما يحمله من مخالفة للدين والأعراف والثقافة والقانون، وهدر للمال العام. والأعجب أن هذا الفساد (القانوني) ، يحظى بدعم جهات وسلطات داخلية وخارجية.
إن الأحداث الإقليمية والعالمية حبلى بالحوادث – والله أعلم – ولن يصمد أمامها جيل الغناء والسهر والمسابقات الليلية.
أول ما استهدفت إسرائيل في غزة الصمود كان المساجد، لا المسارح.
استهدفت، حلق القرآن، وحلق العلم، والمحاضرات الإنسانية، وتعليم الفقه والسيرة النبوية الشريفة.
فالمسجد ـ أيها القوم ـ هو موضع الارتباط الأقوى والثابت بين الإنسان وربه ومجتمعه ووطنه، ولذلك هو الهدف الاول الذي يستهدفه أعداء الإسلام والأوطان.
على هذا قرر بعض الحكماء ان تعطيل رسالة المسجد، ومن أعان على تعطيله، فقد اصطفّ ، بقصد أو بغير قصد في صف من يستهدف المساجد من الاعداء كالكيان الصهيوني.
أطفئوا أنوار المسارح؛ فهي باهظة التكاليف وخاوية من أركان البناء.
وافتحوا أبواب المساجد فهي مجانية، وبانية وحامية للمجتمعات والدول من الخراب والانهيار. وادعموا تطوير مناهج التعليم ،والبحث العلمي وتطبيق نتائجه؛ فذلك — بعد توفيق الله — هو السبيل الوحيد لبناء الإنسان الواعي الذي يعمل على نهضة وطنه.



