جيل الزد (Z)

بقلم : مسلم بن أحمد العوائد
كان الجيل الصامت اسما لجيل ذاق أهله ويلات الحروب العالمية، بما فيها من مجازر وتضحيات وانتصارات وهزائم، وقنابل ذرية، ومجاعات وإبادات، وملايين الشهداء.
برزت فيه زعامات مسلمة طاهرة شجاعة، نشأت وتخرّجت في حلقات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والفقه واللغة في المساجد، أمثال عمر المختار، وعبد الحميد بن باديس، ومحمد علي جناح وغيرهم، ثم تصدّت للدفاع عن الدين ونيل الاستقلال والحرية، فحققت – بعون الله – ذلك. ويُقال حينها إن منظمات فكرية تُعرف بـ”الماسونية” عملت على تجنيد مؤثرين من الداخل والخارج لطمس الهوية الدينية والقبلية والوطنية، وهدم صورة المسجد الذي تخرج منه تلك الزعامات الذين حاربوا المستعمر وطردوه.
هذا قبل…
أما بعد…
تتابعت بعد الجيل الصامت أجيال يُرمز لها بحروفٍ لاتينية، آخرها جيل اليوم (Z)، جيل رضع التقنية منذ أيامه الأولى؛ من الإنترنت إلى الذكاء الاصطناعي، بعدما فطمته الأمهات إلى المربيات الأجنبيات بدعوى التوظيف أو الرفاهية، والاب في شغله ونومه ومولاته و رحلاته.
وصار الهاتف واليوتيوب والتيك توك وسناب شات أمناء التربية، يتابع الطفل في براءته مشاهد عنف ووناسة محرمة، لا يدرك أثرها حينها، لكنها تبقى في ذاكرته الباطنية، فتتشكل بها شخصيته وسلوكه وانتماؤه وولاؤه.
فاختلطت عليه القيم الأسرية والاجتماعية والدينية والوطنية، بقيم “التيك توك” وأخواتها، التي يغلب على محتواها الرقص والعري والعبث والإلحاد والحرية الماسونية المنفلته!.
اخيرا…
إن هذا الجيل وإن كان يحمل اسما قبليا وهوية وطنية وانتماء دينيا إلا أن قدوته لم تعد في بيته ولا في أسرته ولا في مجتمعه ولا في دولته، بل في شخصيات افتراضية صُنعت للاستحواذ على عقول وقلوب أحفاد الزعامات التي حررت أوطانها من الاستعمار، وذلك بتفكيك القيم الثابتة: الصدق، والشجاعة، والطموح، والأمانة، والانتماء، والالتزام الشرعي والاجتماعي، وطاعة ولاة الأمر، وتعطيل رسالة المسجد: توحيد الكلمة، وطاعة ولاة الأمر، وغرس قيم الأمانة والطموح والعمل، وحب الوطن، ونبذ الفرقة، وبناء التعايش والتسامح.
فلماذا اليوم يُعطَّل دوره؟ ولصالح من؟
قيل والعهدة على الراوي إن ذلك لإسكات صوت عقيدة طاعة ولي الأمر بالمعروف، ودعم عقيدة الجواز. وهنا مكمن الخطر، حين تُقنَّن هذه العقيدة من الجهات ذات الاختصاص، لتقطع حبل الرابط الشرعي الذي يجمع بين المجتمع وقيادته.
ختاما…
كيف نحتوي أجيال “زد” الحالية والمستقبلية؟
قال الإمام مالك رحمه الله:
“لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.” فالبداية من البيت، ثم من المسجد، فـالتعليم والبحث العلمي، والعدل في اختيار الكفاءات الوطنية الطموحة الصادقة، الطاهرة من التعصب بكل أشكاله.
ثم إطلاق استراتيجية وطنية شاملة لترسيخ القيم الثابتة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، بمشاركة علماء الدين من مختلف الأطياف، وعلماء الاجتماع، وخبراء التقنية، وصناع المحتوى، والمواهب الشابة. ودعم لامحدود للمهارات الفكرية والتقنية والبحوث العلمية للشباب. وإلا فإنه يُخشى أن تفرض أجيال “زد” قيما غرسها الأعداء في عقولهم وقلوبهم، وساعد على ترسيخها الإهمال الأسري والاجتماعي والرسمي.
والجدير بالذكر والتحذير ان هذا الجيل تربطهم عُرى وثقى، وإن تباعدت الجغرافيا وتنوّعت اللغات والثقافات.



