التطوع والأمن الوطني

بقلم : مسلم بن أحمد العوائد
التطوع قيمة دينية وأخلاقية ووطنية راسخة في وجدان المجتمعات عامة والإسلامية خاصة، لأنه يجسد روح التكافل والتعاون، ويعكس عمق المفاهيم الإسلامية في المسؤولية الفردية والجماعية للبذل والعطاء، والسعي على نصرة المحتاج، تطوعا بالمال والوقت والجهد تقربا إلى الله ثم إحسانا إلى الناس.
قال النبي ﷺ: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا.
وقد أولت سلطنة عمان اهتماما كبيرا بالعمل الخيري والتطوعي، وكان ذلك من أسباب توسع الإمبراطورية العمانية قديما، ومن مظاهر محبة الرعية للسادة آل سعيد الكرام، عبر التشريعات والأنظمة التي منحت الحريات والحقوق المدنية، وكل ما يعزز العمل التطوعي، من ذلك صدور المرسوم السلطاني رقم (89/2025) بالمصادقة على انضمام السلطنة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تأكيدا لتوجيهات جلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه – في تعزيز مفهوم الشراكة المجتمعية في مختلف مجالات التنمية، إيمانا منه بأن أمن الوطن واستقراره لا يتحقق إلا بمشاركة جميع فئاته وقطاعاته.
هذا قبل…
أما بعد…
لقد توسع مفهوم العمل التطوعي من الإطار الضيق للجمعيات والمؤسسات الخيرية ذات البرامج والأهداف المحدودة، إلى المفهوم الشامل للشراكة الحقيقية، الذي يربط بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني في منظومة واحدة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
فالتطوع اليوم لم يعد مجرد مساعدة آنية لفئات محددة، بل أصبح أداة للتنمية، وبناء الوعي، وصون الأمن الوطني، وترسيخ التماسك الاجتماعي.
اخيرا…
زيادة مؤسسات العمل التطوعي أصبحت مؤشرا حقيقيا لتقدم الدول؛ ففي الدول المتقدمة توجد مؤسسة تطوعية تقريبا لكل مئة وخمسين شخصا، كما هو الحال في الولايات المتحدة وألمانيا وغيرها، وهو ما يعكس وعي تلك الدول بدور التطوع في التنمية والأمن الاجتماعي، ولذلك لا تتجاوز الموافقة على طلبات إنشاء الجمعيات التطوعية بضعة أسابيع. لأن التطوع بالنسبة لهم ليس ترفا اجتماعيا، بل ركيزة من ركائز الأمن الوطني والتنمية المستدامة.
فما تحقق من إنجازات عظيمة في بلدانهم لم يبنى على الشكوك والريبة، بل بسواعد أبنائه المخلصين.
ختاما…
من خلال الخبرة المتواضعة في هذا المجال، أنصح بزيادة الجمعيات التطوعية بشكل عام، والبيئية بشكل خاص، بحيث توجد جمعية بيئية في كل محافظة، فالسلطنة تتمتع بتنوع فريد في البيئات البحرية والصحراوية والزراعية والجبلية بما فيها من تنوع حيوي يحتاج إلى مؤسسات تطوعية تتنافس على صون الطبيعة والنظم البيئية، تكاملا مع توجه الاستراتيجية البيئية العمانية، وتحقيقا للخطة الوطنية للعمل للحياد الصفري، فبذلك قد تصبح السلطنة مصدرا للكربون للدول الغربية التي تعتمد على شراء أرصدة الكربون لتقليل بصمتها البيئية.




