المقالات

سلطنة عمان تحت مجهر دوائر البحث الغربية

بقلم:جمال الكندي

زادت في الآونة الأخير اهتمامات دوائر البحث الغربية وخاصة ً الأمريكية منها بتسليط الضوء على السياسة العمانية في التعاطي مع المتغيرات ومتناقضات الشأن العربي والإقليمي، وإبراز وجهة النظر العمانية المختلفة كلياً عن جيرانها في منطقة الخليج العربي في الملفات السياسية الحالية والسابقة، هذه النظرة العمانية المتفردة والتي مرت عليها عقود من الزمن واثبت النتائج السياسية بأن سلطنة عمان كانت على صواب في حيادتيها الإيجابية والتي أعطتها تقدير واحترام أطراف النزاع في الشرق الأوسط وحلفائهم.
أخر ما طالعتنا دوائر البحث الغربية تقرير نشر في موقع “إنترناشيونال بولسي دايجست “وهو موقع أمريكي شهير يعنى بإظهار السياسات الخارجية للدول وتحليل المواقف العسكرية والسياسية في المنطقة للأقطاب المتنازعة فيها.
تحدث الموقع عن السياسة العمانية الخارجية وبأنها سياسة حيادية بمعنها الإيجابي وليس السلبي، وبأنها تحاول أن تكون على مسافة واحدة من فرقاء الأزمات السياسية في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط. طبعاً بسبب الكينونة العمانية الخاصة والتي صاغت هذه السياسة، كانت السياسة العمانية سياسة لا تدور في هذا الفلك أو ذاك وتستند إلى تاريخها الكبير والذي أعتقد أن من يدرس هذه التاريخ يدرك سبب هذه السياسة المتميزة للساسة العمانيين والتي بها جنبتهم الخوض في حروب المنطقة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشر.
التقرير جيد ويذكر الأسباب التي تجعل من سياسة عمان مميز في المنطقة بسبب المكونات العمانية الخاصة، والتي يعلمها من يتابعون ويقرؤون التاريخ العماني وموقعها المتميز في تاريخ المنطقة كقوى إقليمية فاعلة، لا سيما في عهد السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، وكيف كانت عمان تتعاطى مع القوى الدولية في ذلك الوقت وهي بريطانية وأمريكا وفرنسا. أعتقد بأن مفتاح معرفة سلطنة عمان هو من بوابة التاريخ، فتميز سلطنة عمان حالياً من الناحية السياسية وهو نابع من تميزها في السابق بسيطرتها على جغرافيا واسعة من الخليج إلى شرق أفريقيا، وهذا طبعاً أكسبها بأن تكون قوةً عسكرية واقتصادية كبيرة في حينها. لذلك قلنا وما زلنا نكرر معرفة سلطنة عمان وسبب سياستها المتفردة في المنطقة اليوم هو عن طريق دراسة تاريخها، دراسة متأنية ودقيقة تحمل أدوات التحليل السياسي.
كما ذكر موقع “إنترناشيونال بوليسي” القضية التي تشغل دوائر البحث الغربية والمحللين السياسيين وهي شخصية الخليفة القادم للسلطان قابوس، وهل ستكون الحيادية الإيجابية هي سمتها البارزة كما هي الحال في السياسة العمانية الحالية.
من هنا أقول بأن جواب هذا السؤال الذي بات حديث من يتعاطون في الشأن العماني وذلك لأهمية سلطنة عمان في صنع السلام في المنطقة، بأن مدخل معرفة عمان وسياستها التي أعتقد بأنها لا تتغير مستمدة من تاريخها الكبير والذي وللأسف كثير ممن يكتبون عن عمان لا يدركون كنه هذا التاريخ العظيم ودلالات مراحله المختلفة وكيف كان يؤثر هذا التاريخ على سياسة عمان الداخلية والخارجية ، لذلك فعمان تختلف عن دول المنطقة والجوار بتاريخها الممتد بمراحله المختلفة من ملك إلى إمامة وإلى مراحل القبيلة الحاكمة في فترات زمنية طويلة مثل حكم دولة النباهنة وبعدها دولة اليعاربة والتي كان له دور كبير في تحرير البلد والساحل الإفريقي من الاحتلال البرتغالي، وبعدها ظهور الدول البوسعيدية وحكمهم لعمان إلى وقنتا الحالي وبروز شخصيات قيادية في هذه الدولة نستمد منها بعض خصائص السياسة العمانية، ومنها على سبيل المثال شخصية السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، هذه الشخصية فذة وعبقرية، حيث أستطاع السيد سعيد بن سلطان أن يرسى قواعد العلاقات الدبلوماسية العمانية مع الغرب على أساس المصلحة والمنفعة المتبادلة واحترام خصوصية كل بلد واستقلالها السياسي. كما هو معروف فأن السيد سعيد أول حاكم عربي يقيم علاقات تجارية ودبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية. إن الجهد الكبير الذي بذله السيد سعيد بن سلطان قد أثمر في إقامة إمبراطوريةً عمانيةً مترامية الأطراف ضمت أجزاء من أسيا وأجزاء من أفريقيا، هذه الدولة الشاسعة كانت محط أنظار الأوربيين والأمريكان وكانوا يتسابقون لعقد اتفاقيات تجارية مع السيد سعيد لقوة هذه الدولة ونموها الاقتصادي الكبير خاصةً في الشطر الأفريقي منها. معرفة هذه الشخصية ودراستها وغيرها من الشخصيات العمانية البارزة على مر التاريخ العماني هي مفتاح اكتشاف سبب تفرد السياسة العمانية الحالية عن دول المنطقة.
التاريخ العماني هو العنوان لمن يريد دراسة السياسة العمانية ولماذا هي تقف على الحياد السياسي دائما في القضايا ذات البعد العسكري في المنطقة، فمسارها السياسي في القضايا العربية والإقليمية والعالمية مبني على أساس احترام سيادة البلدان.
أعتقد بأن سياسة عمان تجاه بلدان المنطقة والتي أكسبتها احترام جميع الدول وذكر بعض جوانبها موقع “إنترناشيونال بوليسي” ستظل كما هي لأنها بكل بساطة ميزة سلطنة عمان وجعلتها من ضمن الدول المؤثر في المنطقة. إن التوازن الاستراتيجي الذي تتبعه سلطنة عمان مع الدول الفاعلة في المنطقة تعطيها الاستقلالية السياسية فهي لا تميل إلى دولة على حساب أخرى وتحاول أن تكون على مسافة واحد من هذه الدول تحت سقف مصلحة عمان في الاعتبار الأول.
ما ذكر في هذا الموقع جدير بالقراءة، فهو موقع محايد ويذكر الحقائق كما هي وقد أصاب في كثير من تحليلاته تجاه السياسة الخارجية لسلطنة عمان، وبقيت مسائلة شخصية الحاكم القادم التي تشغل دوائر البحث الغربية والعربية والتي تقلق المتابعين للشأن العماني والتساؤل القائم هل ستكون الشخصية القادمة لمغايرة لسياسة الحالية. هناك قاعدة ذهبية أرددها وهي ” عمان ما بعد السلطان هي عمان في ظل السلطان” وهذا الجواب يكفي للرد على كل تساؤلات من يهتم للشأن العماني .حفظ الله عمان وسلطانها و شعبها الابي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى