المقالات

الأقزام ومساحات الصدام

بقلم: منى المعولي

جميعنا يؤمن أن التباين الفكري والجدل المنطقي هو ظاهرة صحية، فمنذ الأزل والإنسان تشغله قضايا الوجود، فمنا من يسعى إلى منطقة هذا الوجود واثباته بالنظريات والفرضيات والمعطيات العلمية، وهناك من يأخذ هذا الوجود على شكل تسلسل طبيعي ومجرد ظاهرة اقتران.

يأخذنا هذا الجدل إلى التعمق في مبدأ السببية لإبن رشد وهو الذي اعزى التغيرات الكونية إلى مبدأ السببية أو العلية وهذا يجعلنا نأخذ الأسباب بالبحث والتعمق

ويقول هيدجر : “كل ما هو موجود له بالضرورة علة ما”

ويقول ليبنز : ها هنا في طبيعة الأشياء علة تجعل شيئا ما يوجد بدلا من لاشيء”

ومن هنا فإن المحاججة والمجادلة ودحض الفكرة بالفكرة هو الأصح والأجدى، فلسفة المنع والزجر والتبريرات والمحظورات هي فلسفة مفلسة، لذا فإن ظاهرة تصحيح الشيء تبدأ بعقلنته ومنطقته وصقله وليست بقمعه

لكن الذي يحدث اليوم في بعض الساحات التويترية هو أشبه بتصفية الحسابات منه إلى الجدل المنطقي الذي أشرنا إليه في المقدمة مما جعلنا نتسائل كثيرا حول فائدة ما يحدث ومدى تأثيره فعلا في تطوير النهج الفكري والارتقاء بالثقافة والأفكار

في الحقيقة كلا، لا يتجاوز ما يحدث أن يكون مجرد جدال وشخصنة وابتعاد عن أساس الموضوع المزمع حواره والهروب إلى القشور..

وفي عدة استقطاعات ومقاطع لمواقف استوقفتني لهذه الحوارات

نقاش بدأ منطقيا أرادت أحد المشاركات أن تسلسل بالأفكار لتحشر المتحدثين في زاوية ولكن يبدو أن مؤسسي تلك المساحات ليس الحوار أحد خياراتهم في الموضوع، فما إن بدأ أسلوب (المتحدثة في المساحة) يبدو مقتعا للمستمعين، حتى بدأت سلسلة من المقاطعات يبدأ المضيف ببت كلمات استهبالية ويتلقفه أحد ممن جاء من دولة مجاورة من المطالبين بالحرية المثلية ليجر الحديث من نقاش إلى فوضى بدعوى جرح أنوثته حيث خاطبته المتحدثة بكلمة أستاذ، وهكذا فتح جحيم لايمكن وصفه إلا بالأحمق غاطسا بالمحادثة شطر أنوثته المدعاة وكيف تخاطبه كرجل وهو يقول عن نفسه أنه أنثى، وبالفعل كان صوته خشن لايتوافق مع حلمه الانثوي حقيقة كان جدال أشبه أسلوبه بأسلوب البغايا ومرتادات المواخير – أعزكم الله- وهنا أعني أولئك المتغربين بالحوار والمقاطعين للأفكار وكأنهم يثبتون لنا يقينا أنهم لم يأتوا للحوار ولا الجدال ولا للوصول إلى فكرة وفكر بل أنهم جاءوا ليسطروا أفكارهم بشكل لا يحتمل المناظرة ولا التنظير ولا النقاش ولا يمكن أن يعطيك مساحة لتناقش عكس توجهم،

إن من يريد أن يصنع التغيير عليه أن يعلم، ليس بالضرورة أن تكونِ مومس لتكونِ حرة وليس بالضرورة أن تخبرنا أنك مدمن للخمر والحشيش لتكون ليبرالي، وليس من مطالب التحضر أن تجبر الجميع للإنجرار والتصفيق لك بالشجاعة والجرأة وأنك رائد تنوير قرنك أو فولتير العصر أو روسو الثورة الفكرية، فأنا أراك/أراكِ فراغا يدور في فراغ، كالببغاء تردد كلاما مسطرا لها على ورقة وإن كان هناك فرق، فالبيغاء تجاهد لتنطق، أما أنتم كالدمى التي تم الزج بها في مسرح المجابهة

مساحات تتوالى بشكل ممنهج ومتسلسل وكأنها خطة محبوكة، ولكل واحد فيهم دور ومهمة

ينتهي أحدهم لتبدأ مساحة الأخر

نفس الأشخاص يقودون قطعانهم
نفس الأفكار بأكثر من أسلوب

نفس الشخصيات من دول محددة

لايبثون فكرا ولايحملون فكرة ولا تتعدى ثقافتهم أن تكون ثقافة تلقينية، تقليدية، تنطلق من ممنهج واحد يشرف عليهم ثم يتقن الحبك بانضمامه كالمايستروا ليدير الشجار المسمى عبثا بالحوار

فإلى أين تودون الوصول؟

وهل من الضرورة أن يؤمن الجميع بأفكاركم؟

هناك من يراكم لاتحملون بل لستم أهلا لأي مناقشة

فكيف لجبالنا أن ينطحها الأقزام؟
وكيف لمداد بحورنا أن تساجل اصفرار الأقلام؟

حقيقة ولتكن لغتي استعلائية كما سيقول البعض

ولكن أعيب على المثقف الحقيقي كيف له أن يسمح لنفسه بعد أن يرى كل ذلك الهبوط في المستوى الفكري أن يبقى في ساحة (المعصرات).

مجرد وجودكم بينهم ومع اعتذاري يخلق في نفسي ظنا أن الوعي لم يتسرب إليكم كما كنت أظن، الرقي مطلوب يا رفاق.

وأقول لباقي الفئات، لايحتاج الأمر لإستدعاء الإدعاء العام والسلطات القضائية والأمر لايتجاوز كونه (مناقر وتفريغ) الحقيقة ليس من أمثال هؤلاء من يجب الخوف منهم أو إعطائهم أكبر من حجمهم، هم لايحملون أسس فكرية قوية ليتأثر بهم أحد، وليسوا أهلا لقيادة فكر التغيير لقناعات أي أحد، غدا ستهدأ ارتجاجات القولون لديهم ومصير مستقيمهم إلى استفراغ كل هذا الغثاء والروث، فاطمئنوا وقاطعوا مساحاتهم التي كانت بالنسبة لكم (تهجيلة) لا أكثر ودعهم يهرطقوا ويسمعون صدى أنفسهم، ظاهرة وستذهب كما ولى غيرهم أما الثابت فهو العلم والفكر والمنطق ونؤمن بما أشار إليه نيتشه بنسبية الأخلاق لدى الجميع، ولا خير مطلق ولا شر مطلق فنحن محكومون بظروفنا الحقيقية وليس بفكر زيد أو غثيث عمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى