المقالات

مقتل بائع الشاي

بقلم: غانم خلف المفرجي

تخفَّى ملاك النهايات بزيِّ لقلق مهاجر واتخذ مكانه على قمة كنسية الأرمن في ساحة الطيران وسط بغداد. أجال نظره بين حديقة الأمة وساحة التحرير باحثا بقلق عن روح العجوز الذي كان يغادر فندقه الرخيص المطل على أحد أزقة الباب الشرقي. لم يكن العجوز هدفا صعب المنال بل كان على استعداد لأن يسلم روحه لأول ملاك يصادفه.
على وقع انفجارين متتاليين سقط أرضا وهو يظن أنها القاضية وأنها ساعته. استسلم لقدره وانتظر أن يمسك بخناقه ملاك النهايات ويصعد به الى السماء.
انتظر طويلا ولم يحدث شيء، قام ونفض عن نفسه الغبار متعجبا أن أخلف الملاك موعده.
في تلك اللحظات والسماء مختنقة بالبارود، صُعق الملاك اللقلق وغادر أعلى القبة مرتبكا من كثرة الرسائل التي كانت تصله باختطاف الأرواح.
كان مكلفا على الدوام بأرواح العجائز وهو الآن يرى نفسه وسط أرواح شابة لم يعتد على التعامل معها، وتحيط به طالبةً أن يحلِّق بها بعيدا الى الأعالي.
تمالك نفسه ودار حول سحابة الدخان مستنجدا برفاقه المنتشرين بكثافة في بغداد حيث سوق الموت رائجة.
من علوِّه، انتبه الى روح صغيرة تعاني فراقَ جسدٍ ملقىً على وجهه. كان الصغير “بائع الشاي” قد مزقته الشظايا واختلط دمه المسفوح على الأسفلت بالشاي العراقي الأسود الممزوج بسكر كثيف. تذوق الملاك خليط الدم والشاي والسكر وأحسَّ فيه طعم الموت المعتاد في بغداد حيث يموت الصغار صباحا قبل أن يجمعوا غلَّة اليوم.
تعلق الصغير برقبة الملاك الذي احتضنه بحنان وطار فيه الى السماء حيث سيحكي لله عن كل شيء وأنه لم يبع قدحا لحد اللحظة وأن امَّه ما تزال تنتظره ليعود بأكياس الخضار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى