المقالات

أمريكا لا تفهم إلا هذه اللغة ؟!

بقلم:جمال الكندي

زيارة وزير الخارجية الأمريكي ” مايك بومبيو ” المفاجئة إلى العراق وبدون ترتيب مسبق، ولقاؤه الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء العراقي ” عادل عبد المهدي ” وراءها قلق وفزع أمريكي من تقارير استخباراتية أمريكية مفادها وجود سيناريو لاستهداف القوات الأمريكية في العراق والخليج العربي، والتهديد يتعدى جغرافية العراق والخليج إلى تهديد الوجود الأمريكي في سوريا، وضرب العمق الإسرائيلي من قبل محور المقاومة في فلسطين ولبنان.
العراق من الدول لتي لها روابط سياسية واقتصادية وأمنية مع إيران وقد تكون خط الرجعة لأي تصعيد أمريكي تجاهها، وقد كشف “بومبيو” عن سبب زيارته للعراق حيث قال: “المعلومات التي تشير إلى تصعيد في أنشطة إيران حول تعزيز قدرة بغداد على حماية الأميركيين على أراضيها”.
لا توجد معلومات أكيدة في ما دار بين “بومبيو” والمسؤولين العراقيين ، ولكن نحن أمام معطيات سياسية وعسكرية، تكشف لنا الفزع الأمريكي الذي أدى إلى هذه الزيارة ، ونحن هنا أمام أسباب سنحاول طرحها وتحليلها لنخلص إلى نتيجة مهمة تكشف لنا اليوم الواقع السياسي والعسكري للمنطقة.
الأزمة الأمريكية الإيرانية بدأت تتفاقم وتزداد بسبب عدم اقتناع العقل السياسي الأمريكي، وخاصة الجمهوري بوجود قوة إقليمية في المنطقة يحسب لها حساب ولابد من التعامل معها ليس بسياسة الدول التابعة لأمريكا وهي معروفة، بل على أساس الدول الفاعلة التي لها مفاتيح الحل السياسي في سوريا والعراق وفلسطين واليمن، وبدل أن نشتبك معها نتشابك معها وننطلق على قاعدة: “لا ضر ولا ضرار” .
التصعيد الأمريكي الأخير ضد إيران محاولة لتصفير النفط والغاز الإيراني في المنطقة ،وذلك بعدم تجديد الإعفاءات التي أعطتها أمريكا لبعض الدول في شراء النفط والغاز الإيراني، وهذ الأمر قوبل بالرفض والاستنكار الشديد من قبل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي.
ما تقوم به أمريكا هي “بلطجة” اقتصادية – إن صح التعبير- تضاف إلى بلطجاتها السياسية والعسكرية في المنطقة، والإجراءات الإيرانية السياسية والعسكرية جاءت في خانة ” إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ” والرسالة العسكرية الأولى التي أرسلتها إيران كانت في تصوير حاملة الطائرات الأمريكية وسفينة حربية أخرى في الخليج العربي، ولا يهم متى صورت القطع الحربية ولكن السؤال هنا كيف كان التصوير ؟ ولماذا لم تكشف الرادارات الأمريكية هذه الطائرة التي صورت ورجعت قواعدها بسلام؟ كل هذه علامات استفهام كبيرة تحاول دوائر الاستخبارات الأميركية حل لغزها، وحلها من وجهة نظرنا يكون بلاعتراف بالقدرات العسكرية الإيرانية التي لا يستهان بها والتي بلغت من القوة ما يحسب له ألف حساب .
التصريحات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز وباب المندب في حال منع مرور النفط الإيراني سيشعل المنطقة وسيصل برميل النفط لأرقام غير مسبوقة، وهذا سينعش دول ويضعف دولا أخرى، والغريب في وسط التصعيد الأمريكي ضد إيران ومحاولة تصفير إنتاجها النفطي يخرج تصريحا مهذبا يطلب من إيران بعدم التصعيد وإغلاق مضيق هرمز وباب المندب.
أمريكا تحاول تجفيف المداخل الاقتصادية الإيرانية في المنطقة لتهذيب سلوكها السياسي كما تزعم ، وهذا يعني أنها تريد كذلك أن تشعل جبهة إيران الداخلية بالحصار الاقتصادي، وفي حال عدم إعطائها الوفرة المالية من وراء نفطها وغازها لدعم حركات المقاومة والممانعة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن .
والسؤال هنا هل تنجح أمريكا في فرض هذا الخيار ضد إيران ؟ وكم من الوقت يتطلب منها لترى فيه إيران منكفئة على إصلاح جبهتها الداخلية بسبب الحصار الاقتصادي.
الجواب يأتينا سريعا في زيارة “بومبيو” للعراق وفي التصريحات الأمريكية التي تحمل طابع الطلب وليس التهديد بعدم إغلاق مضيق هرمز وباب المندب، فهذه الزيارة سبقتها الأسباب التي ذكرناها، ومن هذه الأسباب نقدر أن نحلل الرغبة الأمريكية في عدم التصعيد، فجنودها في الخليج تحت عدسة الطائرات الإيرانية ، وجنودها في سوريا والعراق تحت مرمى حلفاء إيران ، أما المدللة إسرائيل فصواريخ المقاومة الفلسطينية أجبرتها على قبول التسوية، وهذا الأمر كنا لا نراه في عدوان إسرائيل السابق على قطاع غزة.
هذه الزيارة جاءت لتوصل رسائل معينة لا تنشر للعلن، فالتصعيد لن يفيد أحدا، والكل سيخرج خاسراً من هذه التجاذبات السياسية والعسكرية، ودليل خوف الإدارة الأمريكية من المجهول هو عرضها المستمر للإدارة الإيرانية بالتفاوض من دون شروط مسبقة، والتصريح الأخير للرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب” حول رغبته أن يتصل به الإيرانيون دليل على عدم رغبة أمريكا في التصعيد ضد إيران.
أمريكا لا تفهم إلا هذه اللغة، لغة الندية العسكرية التي تجبرها تحت ستار الليل على عقد صفقات بعيدة عن حلفائها في المنطقة، فهي من جانب تصعد اقتصادياً وعسكرياً تجاه إيران، وفي الجانب الآخر – عندما تحس بعجزها -تفاوض عن طريق دول خط الرجعة.
العالم بحاجة إلى تعدد الأقطاب السياسية والعسكرية، وزمن الدوران حول الفلك الأمريكي انتهى عملياً بعد نهوض الدب الروسي والمارد والصيني ودول البركس، وأمريكا لا تريد الاقتناع بالخارطة الجديدة للعالم، فزمن التبعية المطلقة لأمريكا، وبأنها الآمر الناهي في العالم الذي رأينا صوره في تفكيك الاتحاد السوفيتي، وفي حرب العراق والبلقان انتهى، وصورة هزيمة أمريكا في الصراعات الدائرة في المنطقة التي تعد طرفا فيها سواء سياسياً في مجلس الأمن أو عسكرياً في ساحات الصراع العربي بات واضحاً.
الإرهاب الاقتصادي الذي تمارسه الإدارة الأمريكية ضد إيران أو غيرها غير مقبول وأدوات إيران للدفاع عن مواردها الاقتصادية أمر مشروع لمحافظة على ثبات جبهتها الداخلية، وهي الجبهة التي تعول عليها أمريكا لشيطنتها وإجبارها تحت الضغوط الاقتصادية أن تتحرك وتغير النظام ، لذلك كان التحرك الإيراني الأخير وإرسال رسائل عسكرية تفهمها أمريكا جيداً، وكما سمحت في الماضي بطرق معروفة بالسماح للنفط والغاز الإيراني للوصول للدول المستهلكة، ستفعلها اليوم من خلف الكواليس خاصةً بعد ضربة تصوير حاملة الطائرات الأمريكية في مياه الخليج العربي، ولغة إظهار القدرة على استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة هي “الفرامل” الوحيدة التي توقف أمريكا، فهذه هي اللغة الوحيدة التي تفهمها!!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى