المقالات

الحضارة اليهودية

بقلم: كمال الفهدي

غالط من يظن أن الإلحاد هو من يقود دفة العالم اليوم، وغالط من يظن أن الحضارة الغربية اليوم هي حضارة مسيحية، إن الحضارة اليوم هي حضارة يهودية، وأقدّر أن هذا الكلام سيغضب الكثيرين ولكن الواقع يفرضه بقوة، وإن أشعة هذه الحقيقة أضحت تخترق كل الحُجب.

لم ينعم اليهود بحضارة مستقلة لهم يوماً ما، فمنذ وُجدوا على الأرض وهم أشتات بين الأمم والحضارات، وإن اللفيف الذي تحدّثت عنه الآية:(وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ ٱسۡكُنُوا۟ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِیفࣰا)[سورة الإسراء 104] ربما يكون في معناه اللامفكر فيه أن اليهود سيجمعوا شتاتهم ويلتفوا حول أنفسهم ويصنعوا لهم حضارة ليأخذوا دورهم في كتابة التاريخ.

لمن لا يعرف اليهود أقول: إن اليهود كانوا أقلّية في كل شعب من الشعوب، ولأن الأقلّية تعني الإحساس بالنقص، والصراع على البقاء مهما كان الثمن، فقد أظهر اليهود أقبح ما في النفس البشرية من صفات مذمومة، واليوم دالت لهم الدولة وحانت لهم الغلبة بعد انتظار دام أكثر من ألفي عام، فقد نسي اليهودي إنسانيته، ونسي أن الغالب ينبغي أن يحتفظ ولو بالقليل من صفات الفارس النبيل، نسي اليهودي أنه كان يستجدي الحضارات المأوى والمأكل والمشرب والأمان، نسي أنه كان محتاجاً للعدل، محتاجاً لمظلة تحميه من هاجرة الظلم والعدوان.

رغم ذلك كان اليهود يتوقون لأن تكون لهم حضارة مهما كان الثمن، فلم يخرج اليهودي كولومبوس إلى الضفة الأخرى من العالم ـ القارة الأمريكية ـ إلا تنقيباً عن حلم يسكن في الأفق البعيد، نزل على تلك الشواطئ ونزل معه الشيطان الذي ركب السامريَ يوما ما، نزل معه شيطان الحقد والغل والانتقام من الإنسانية، كأن ذلك الشيطان لم يجد له مكاناً في الشرق فوجده في الغرب، نزل ذلك الشيطان وروى مياه المحيط الهادئ بدماء السكان الأصليين، وجعل من جثثهم جسوراً يعبر من فوقها على نهري الأمزون والمسسيبي.

لم يكتف اليهود بالبحث عن الحضارة على الأرض، بل بحثوا عنها حتى في الفضاء، فهذا آينشتاين راح يبحث عنها بين الكواكب والنجوم والمجرات، ذلك التوق للحضارة آض إلى سُعار لم يُشفَ اليهود منه حتى يومنا هذا، فلقد طرقوا كل الطرق إليها، ولسوء حظ اليهود أن حضارتهم تأخرت إلى هذا الوقت الذي لا يمكن فيه إخفاء الوجه القبيح للحضارات، ولسوء حظهم أن الإنسانية باتت تعرف كل شيء عن قيام الحضارات وانهيارها، ولسوء حظهم أن الجرائم اليوم لا يمكن إخفاؤها خلف وجوه الأبطال كما كانت تصنع كل الحضارات السابقة، ولسوء حظهم أن العالم اليوم قرية صغيرة وأفراده متساوون في المعرفة والثقافة ـ أو يكادون ـ وسوء الحظ هذا هو حظ جيّد للإنسانية، لأن الوتيرة التي كان يسير عليها قانون قيام الحضارات وانهيارها قد أسرعت، وأن الوصول لقمة المجد والقوة ما هو إلا إيذان ببداية النزول من القمة، وأن ذلك النزول سيكون سريعاً ومدوّياً.

حين يتكلم العقل يقول: كل ما تقدّم لا يسلب اليهود حق بناء حضارة تحمل اسمهم، ولا يمنعهم من أن يأخذوا الفرصة كاملة كما أخذتها الأمة اليونانية والرومانية والفارسية والإسلامية والمسيحية والصينية وغيرها، بل علينا أن نتجاهل الفقرات السابقة قليلاً وما فيها من الزخم العاطفي الذي يستهوي الكثيرين، وعلينا أن ننظر إلى الأمر بواقعية، فباعتراف الكثير من المثقفين والنقّاد والسياسيين والاقتصاديين أن اليهود هم المسيطرون اليوم على السياسة الأمريكية، وهم الموجّه الحقيقي لدفّة القيادة هناك، وهم من يملك رأس المال العالمي، وهم من يملك مصارف صنع الأوراق النقدية العالمية، وهم من يسيطر على الإعلام العالمي، وهم من يسيطر على التجارة العالمية، وبالتالي فمن يسيطر على أقوى دولة في العالم فهو ـ بلا شك ـ يحكم العالم، ولا غرابة بعد ذلك في أن نقول: إن الحضارة اليوم يهودية.

والمنطق يقول: يمكننا أن نخضع أي حضارة لميزان الصح والخطأ، ويمكننا الحكم على كل حضارة بأنها رحيمة أو شديدة، ويمكن الحكم عليها بأنها إنسانية أو شيطانية عبر النظر إلى عدة أمور منها:
ـ كيفية قيامها.
ـ الخلفية الباعثة والمصاحبة لها.
ـ الرصيد الأخلاقي والإنساني الذي تحمله.
ـ الأهداف والغايات.
ـ طرق الوصول للغايات.
ـ نظرتها للحضارات الأخرى.
هذه وغيرها هي المحددات التي يمكن لأي عاقل أن يضعها في كفّة ويضع كل حضارة مرّ عليها التاريخ أو مرّت عليه في الكفّة الأخرى، ليخرج بحكم عليها.

وبوضع الحضارة اليهودية على الميزان، نخرج بالنتيجة التالية:
إن اليهود هم الممسكون بزمام الحضارة اليوم هذا صحيح، ولكن حضارتهم تُعدُّ أسوأ الحضارات، لأنها داست على كل شيء تحتها (الأرض والإنسان والأخلاق والدين والتاريخ)، وإلى أن تقوم حضارة رحيمة بالإنسانية عظيمة في الأخلاق غايتها العدل وتحترم كل الحضارات يجب على الإنسانية أن تفهم طبيعة اليهود الضارية، ويجب عليها أن تبدأ في إعداد حضارة تبني ما هدمته الحضارةاليهودية، وترمم كل جدار نقبته الحضارة اليهودية، وعليها أن تواجه الفكر بالفكر والعلم بالعلم.

والله يقول: على الإنسانية أن تعود إلى الذي يعود إليه كل شيء، عليها أن تعود إلى شوقها القديم وربها الرحيم، عليها أن تعود إلى ربها الحق العدل الموجود في صفحة الكون وفي داخل الإنسان، عليها أن تدرك أنها وصلت إلى الشيخوخة، وحان أن تعود للطفولة البريئة الفطرية، عليها أن تقوّيَ نصفها الغيبيَ الذي أخفاه ـ قسراً ـ نصفُها المادي الأرضي، عليها أن تعود للنقطة التي انطلقت منها، على الإنسانية أن تعلم أن العودة لنقطة الإنطلاق هي العودة إلى الخالق العظيم، وعليها أن تدرك هذه المرة أن العودة ستكون للحساب وليست لأخذ المزيد من الفرص (فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِیفࣰا)[سورة الإسراء 104]، إن الحضارة اليهودية هي إذان بأفول نجم الإنسانية، وغروب شمس البشرية ورجوع الأمر كله إلى نقطة البداية: (وَلِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ)
[سورة آل عمران 109].

يمكن الاطلاع على بعض المراجع:
ـ الإسلام بين الشرق والغرب ـ علي عزت بيجوفيتش.
ـ أحجار على رقعة الشطرنج ـ ويليم غاي كار.
ـ عقيدة الصدمة ـ نعومي كلاين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى