المقالات

الاحتلال واذلال المعتقلين

بقلم:إبراهيم عطا

– انا لم اكن موجودا في “الجورة” ولكني سمعت عنها وعن قصة تبول المجندة الاسرائيلية على المعتقلين وهم نيام، قال لي حيدر، ثم سالني “كم يوم بقيتم هناك في الجورة؟”
– ثلاثة ايام فقط، ولكن اصعبها كان اليوم الثالث عندما قاموا بنقلنا على مجموعات صغيرة الى مكان يشبه المكتب عند اطراف الجورة اقيم خصيصا للتحقيق والتصوير، وكان المحقق يتكلم اللغة العربية بلهجة لبنانية، واغلب الظن انه لم يكن من الجنود الاسرائيليين انما من عملاء اسرائيل، وكان يسالنا عن التنظيم الذي ننتمي اليه وعن طبيعة عملنا مع المنظمات الفلسطينية ، واحيانا كان يوجه لبعضنا الاتهام او يسال عما اذا كنا ننتمي الى قسم الهندسة العسكرية او العمليات اوغيرها، عندها رفع احد المعتقلين من كبار السن يده وقال “انا كنت اعمل بحركة فتح”، ففرح المحقق عند سماعه لكلام ذلك المعتقل الفلسطيني ظنا منه انها بداية لاعترافات مهمة قد يفصح عنها، ولما ساله عما كان يفعله في فتح، اجابه المعتقل: “كنت اعمل شاي”، وهو ما اثار الضحك لدى الكثير منا، اما لدى المحقق فقد اثار السخط والغضب الشديدين، وطلب منه باشمئزاز بان يعود الى مكانه…
بعد انتهاء التحقيق كانوا يعطونا بطاقة “امانات” سجلوا عليها اغراضنا الخاصة التي اخذوها منا، ومن ثم لوحة صغيرة كتب عليها رقم الاعتقال لكي نقوم بوضعها الى جانب رأسنا ويتم تصويرنا، ومن ثم ياخذون لنا صورة ثانية بينما يتم وضع الرقم نفسه على صدورنا….
بعد ذلك قاموا بادخال صناديق كبيرة الى الجورة وكانت تحتوي على ملابس عسكرية لونها كاكي وكانت رثة ومستخدمة ومعها ايضا احذية عسكرية قديمة ومهترئة….
وقد طلبوا منا جميعا ان نقوم بخلع ملابسنا بالكامل “كما خلقتني يا ربي” لكي يتم رشنا بمبيدات الحشرات من نوع “دي دي تي” وذلك بدون مراعاة للسن او المركز للمعتقلين…
ولقد كان الموقف مذلا بشكل لا يمكن وصفه وشعرت بالخجل الشديد ليس على نفسي، انما لاني شاهدتهم يرغمون اناس اعرفهم مثل معلم الادب العربي في مدرستنا “مدرسة الشهداء” على خلع بدلته وربطة عنقه وكامل ملابسه من اجل ان يتم رشه بالمبيد السام والذي وضعوه بمضخات يدوية صغيرة، ليستبدل بعدها ملابسه بتلك القديمة التي احضروها لنا، واسوأ ما في هذا الموقف ان الجنود امروا بعض المعتقلين الصغار ان يقوموا باخذ المضخات لرش المعتقلين الاخرين وهم عراة والذين كان بينهم الاستاذ والاب والصديق والجار…عندها حمدت الله انه لم يتم اعتقال والدي معي وانه لم يخضع لهذا الكم المقزز من التحقير والاذلال الذي فرضه علينا جنود الاحتلال….
– وبعد فترة الجورة هل احضروكم مباشرة الى هنا في معتقل انصار؟، سالني حيدر.
– لا، عند مساء اليوم الثالث امرونا بان نحمل اغراضنا والتي كانت عبارة عن بطانية وعلبة طعام معدنية قديمة وزعوها علينا مع ذلك الزي البالي، وان نستعد كي يتم نقلنا الى معسكر اخر، فكانوا يجبرونا ان نسير بمجموعات ونحن نحمل اغراضنا بيد بينما نضع اليد الاخرى على كتف المعتقل الموجود امامنا في الطابور وان نسير مهرولين، وترافقنا دورية من الجنود والكلاب البوليسية الشرسة، بالاضافة الى عربة عسكرية كانت تقترب منا بطريقة مرعبة لكي تجعلنا نسير دون توقف، الا اننا كنا نسقط على التراب او نقع فوق بعضنا البعض من شدة الاعياء والتعب، وكان المشهد قمة في المهانة والاذلال خاصة عندما كنا نرى كبار السن مثل ابو امين وهم يسقطون على الارض فتقوم الكلاب المدربة بمهاجمتهم حتى يقفوا ويكملوا سيرهم الى الامام…
وصلنا بعد مسافة ليست بالطويلة ولكنها منهكة جدا الى معتقل كبير ومحاط باسلاك شائكة مرتفعة وفي زواياه ابراج للحراسة والمراقبة…دخلنا الى المعسكر على مجموعات وكان في استقبالنا المسؤول عن تنظيم وادارة ذلك المعتقل والذي عرف عن نفسه حتى يطمئننا، وحاول التخفيف عنا بكلمات مثل “الصبر يا اخوان، العدو لا يرحم وهؤلاء اعدائنا..”..واخذ يوزعنا على الخيام حسب ارقام الاعتقال التي كنا نحملها، وهناك التقيت بزوج اختي عليا وكان معي في نفس الخيمة، وقد اخبرني ان زوج اختي مريم موجود في المعسكر المجاور لمعسكرنا، فشعرت ببعض الارتياح لوجود اقرباء لي هناك، فخرجت من الخيمة لكي اسال عنه، ولكن ما ان اقتربت من الشريط الشائك الفاصل بين المعسكرات حتى بدأ برج المراقبة باطلاق النار نحوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى