المقالات

ترجل فارس البحر

بقلم/عبدالله بن حمدان الفارسي
ترجل الفارس عن صهوة عباب البحر، ليجعل الأخير وحيدا يبكي على من روضه وسيسه، لم يسقط الفارس من على صهوة جواده كللا أو مللا، فحين كان يجمح ويثور ويخيف بصهيله كل من يدنو نحوه، كيف إذا تجرأ لاعتلائه، يكبح جماحه بعزم وإصرار الفرسان، جاب البحر شرقا وغربا، وامتطاه ليلا ونهارا، وأنهكه برحلاته، وقصم ظهره، لم تخيفه ثوراته وانقلاباته، فقد أحنى هامته وطأطأ رأسه، لم يعبأ بأمواجه التي تناطح السحاب، حين كان يهم بامتطائه يتباهى فخرا وعزا، ليس غرورا ولا كبرياء الجاهلين، إنما لشحذ همم رفقاء رحلة مجهولة النهايات، يغرد بصوته المبحوح بأهازيج التحدي والإصرار، ليصم أذان البحر ويملأها خوفا وهلعا، إيحاء منه بأن الرجال قادمون إليه، عازمون ماضون إلى ما يسعون إليه، لن تثنيهم أصواتك ولا صولاتك، ولا ثوران ما في جوفك وأعماقك، رجل تمرس على مواجهة التحديات، امتهن صناعة كاسرات الأمواج، أتقن علوم البحر وسبر أغواره، عاصر أحداثا بأهوالها، كان للبحر سهم فيه، ولكن تلك الأحداث وما آلت إليه من مآسي لم تحبط من همته وعزيمته، حين يتحدث عن صراعاته وجولاته مع البحر يشعرك بأنك فعلا أمام قامة ولدت من رحم البحر، متخصصة في علومه وفنونه قلما تتكرر، خامة عملاقة يشهد لها الخليج ورجاله، من لا يعرف (القلاف) الصوري، لاسيما الذين تقاسموا معه ممارسة المهنة، وتشاركوا في مجابهة أنياب البحر، والتصدي لأهواله وإسكات زئيره، لربما البحر قد يفتقده أكثر من البعض منا، لأن للبحر رجاله، يهيج ويبكي ويحزن لفقد فرسانه، رحل الفارس في طريق لا عودة، ولكن أنفاسه ما زالت تحلق كطائر النورس في أجواء المكان، ما زلنا نشمها في ريح الشمال حين تنسنس نسائمها من عمق المحيط، من أقصاه لأقصاه، ستفتقدك (الخيسة)، وسيبكيك (الويشار)، وسيحن (المجدح) على فراقك، ليست (العيجة) وحدها من أوجعها رحيلك (يا أبا يحيى) (فالعفية) تبكي رجالها، وتئن وجعا صامتا، ونواحا خفيا على من كان لهم الفضل بعد الله في علو شأنها وانتشار صيتها، واتساع رقعة شهرتها على مستوى القارات، من ذا الذي يجهل (صور) وتاريخها البحري والتجاري؟ من لا يعرف أسياد البحار وفرسانه؟ أنت أحد الرواد الذين توارثوا حمل راية المجد والشموخ لصور العفية (سبيت بن خميس العلوي) أسدلت شراعك، وأغمدت مجدحك، وترجلت عن جوادك، وغيبك اليقين عنا، ولتبقى ذكراك العطرة، شاهدة على حسن أقوالك وأفعالك.
أسكنك الله فسيح جناته، وألهمنا وذويك الصبر والسلوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى