المقالات

سوريا تنتصر

بقلم:جمال الكندي

الأزمة السورية أنهمت عامها السادسة وتدخل في عامها السابع وخلال هذه السنوات الست بنيت تحالفات دولية وإقليمية وعربية كان الهدف منها كسر الدولة السورية، وتفتيت الجسر الذي يمد المقاومة اللبنانية والفلسطينية بحياة العزة والكرامة تحت ظل بندقية المقاومة الشرعية الشريفة. ما لحق بالدولة السورية من دمار ممنهج كان بسبب مواقفها التي لا تتناغم مع المواقف الغربية، وعلى رأسها أمريكا في قضايا المنطقة، لاسيما موقفها المعادي لإسرائيل.
عندما نعيد شريط الأزمة السورية ونقارن بدايتها وخاصةً في النصف الثاني من عام 2012 وما يحدث اليوم من انتصارات متتالية في الميدان العسكري والسياسي والاقتصادي ندرك بأن سوريا تنتصر على كل القوى الرجعية والإمبريالية والتكفيرية، التي تكالبت على الدولة السورية، وهذا بسبب حب الحياة والبقاء والعيش بكرمة لدى السوريين الوطنيين الذين يرفعون أسم سوريا قبل كل شي، قبل الانتماء الطائفي أو المذهبي أو الفكري الذي حاولت هذه الأزمة أن تزرعه في قلوب وعقول السوريين، وبه تقسم سوريا إلى كيانات ضعيفة متجزئة مرهون بقرارتها السياسية والاقتصادية للمحرك الخارجي، وهذا ما افشله الشعب السوري بوعيه تجاه ما كان يدبر له باليل حالك اسود.
نحن اليوم وبعد ست سنوات نشهد تحول كبير في الأزمة السورية عسكرياً وسياسياً واقتصاديا، فمن الناحية العسكرية فشل المشروع الغربي في السيطرة على الحدود السورية العراقية الأردنية عن طريق القوات المدعومة أمريكياً في البادية السورية، لخلق واقعاً جغرافياً جديد يتم استثماره من قبلها. لذلك وضعت أمريكي خطوط حمراء لمناطق عمليتها في البادية السورية، كسرت هذه الخطوط بتجوز الجيش السوري وحلفائه منطقة التنف الحدودية مع الأردن والتقائها مع القوات العراقية على الحدود السورية العراقية، وهذه كانت من المحرمات الأمريكية التي أبطلها رجال الجيش السوري.
وفي عمق البادية السورية معقل داعش الرئيسي في شرق سوريا انتصارات الجيش السوري بات العنوان الأبرز في كل يوم، وداعش مطوق من كل الجهات في أرياف حماه وحمص وحلب الشرقيات، وأصبحت معركة تحرير ريف ومدينة دير الزور أقوى معاقل داعش في شرق سوريا مسألة وقت فقط بعد إضعاف وتطويق هذا التنظيم في البادية السورية، وهذا بدوره سينهي أسطورة داعش في سوريا كما هي قاربت على الانتهاء في العراق، وبانتهاء داعش تنتهي مسألة إدارة الصراع مع داعش من قبل أمريكا حسب أجندتها الخاصة والتي من ورائها السيطرة على الأرض والثروات والقرار السياسي.
في المقلب الآخر معركة تحرير سلسلة جرود القلمون أصبحت في خواتيمها والانتصارات اليومية للجيش السوري وحلفائه ينهي مسلسل سيطرة الجماعات المسلحة من جبهة النصرة وداعش على هذه الجغرافية المهمة التي تربط بين الحدود السورية واللبنانية، وتنهي تهريب أي سلاح أو أفراد إلى الداخل السوري. بالمقابل هنالك اتفاقيات تخفيف التوتر الموقعة بين تركيا وإيران ورسيا مع مشاركة فعالة لمصر تتيح رجوع كثير من المناطق السورية إلى حضن الوطن، هذه الاتفاقيات هي بداية لنهاية الحرب في سوريا من قبل من يحملون السلاح ويصنفون غربياً بجماعات مسلحة معتدلة، كان الغرب يعول عليها بأن تسيطر على الحالة العسكرية والسياسية في سوريا.
هذه المخطط فشل وبداية الاعتراف بفشله هو خسارة هذه الجماعات المسلحة المعركة الكبرى في دمشق وبشكل خاص في حلب، فبعد تحرير مدينة حلب وربط شرقها بغربها انتهت مسألة إيجاد عاصمة جديدة للجماعات المسلحة والمعارضة السورية المدعومة من الغرب بأن تكون منطلق لتقسيم سوريا، لهذا كانت أستانا حاضرةً وبشروط المنتصر.
بجانب هذه المعطيات العسكرية والتي أثبتت لنا انتصار سوريا، برزت معطيات سياسية جديدة، وهي طبعاً بسبب الإنجازات العسكرية السورية والتي بدورها غيرت التوجه السياسي تجاه الرئيس بشار الأسد، فما نراه من إرباك في منصة الرياض التي كانت لا تقبل بوجود الرئيس بشار الأسد في أي حكومة انتقالية، ولا تقبل بأي معارضة أخرى، نسمع اليوم أن استراتيجيتها تتغير حسب التسريبات التي تنقل عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير فقد ذكرت صحيفة ذا لندن تايمز البريطانية “أن منعطفًا حادًا في سياسة بريطانيا وحلفائها تجاه سوريا، ربما يغير الموقف الذي حافظت عليه لندن منذ بداية الحرب في سوريا عام 2011 وذكرت الصحيفة كذلك “أن اجتماع للمعارضة السورية في الرياض الأسبوع الماضي، قيل فيه لقادة المعارضة إنه ليس لديهم خيارات كثيرة، وربما عليهم القبول ببقاء الرئيس الأسد، وإنه لم يعد هناك أي تمسك بتنحي الأسد كشرط لإجراء مفاوضات أو محادثات حول مستقبل سوريا” وقد أشار وزير الخارجية البريطاني “بوريس جونسون” إلى ذلك التحول المفاجئ في موقف لندن من رحيل الأسد في مقابلة على راديو محلي، حيث قال “كنا نقول إنه يجب أن يرحل الأسد كشرط مسبق لأي مفاوضات، لكن الآن نقول إنه يجب أن يرحل كجزء من عملية انتقال، وأن بإمكانه دائمًا المشاركة في انتخابات رئاسية ديمقراطية”. وأخر هذه التصريحات تصريح وزير الخارجية الفرنسي بأن أولوية فرنسا اليوم هي محاربة داعش وليس رحيل الأسد.

وهنالك غزل أردني بتحسين العلاقة مع الجارة السورية حيث أكد وزير الدولة الأردني لشؤون الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، محمد المومني “أن علاقات بلاده مع سوريا مرشحة لمنحى إيجابي وأن الأردن يتطلع لعلاقات أفضل”
وفي الجانب الإسرائيلي نرى الإرباك واضحاً بسبب انتصارات الجيش السوري، وهرولت رئيس كيانها إلى روسيا بسبب اتفاقية تخفيف التوتر في الجنوب السوري وخوف إسرائيل من انتشار الجيش السوري وحلفائه بدلاً من حلفاء إسرائيل من المسلحين هو نصر للدولة السورية وعندما نسمع الصراخ من المسلحين ومن يدعمهم ندرك أن سوريا تنتصر.
سوريا تنتصر اقتصاديا وهذا النصر تمثل في إفتاح معرض دمشق الدولي بعد غياب ستة سنوات بسبب الحرب في سوريا وعندما يفتتح هذا المعرض وتشارك فيه عدد من الدول العربية والأجنبية نعلم حجم الاستقرار الاقتصادي والثبات العسكري لصالح الدولة السورية في العاصمة دمشق.
سوريا تنتصر، وهذا النصر جاء بدماء الاف الشهداء من العسكريين والمدنيين السوريين وحلفائهم، وجاء اليوم لتجني سوريا ما بذله هؤلاء الشهداء من أجل سوريا العروبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى