المقالات

عمان ومووديز

بقلم: طلال الحراصي

إطلع الجميع في يوم 28 يوليو بالخبر الذي أوردته مؤسسة مووديز المالية بتخفيض جديد في التصنيف الإئتماني للسلطنة.
وهو ليس التخفيض الأول فقد توالت التصنيفات الأقل فالأقل على السلطنة من مؤسسة مووديز في فترة السنوات الأخيرة.
والسؤال الذي يدور في أذهان المهتمين بالمال والأعمال هو ماذا يعني هذا الإنخفاض، ما تبعاته وماذا بعد ذلك.
موديز هي شركة قابضة تأسست في عام 1909. تقوم خدمة موديز للمستثمرين بالأبحاث الاقتصادية و التحليلات المالية و تقييم مؤسسات خاصة و حكومية من حيث القوة المالية و الائتمانية.
ودأبت موديز منذ بدأ الإنخفاض التدريجي لأسعار النفط بتخفيض التصنيف الإئتماني للدول المصدرة للنفط خاصة دول الخليج العربي بشكل متسارع لم يسبق له مثيل.
وأساس التخفيض هو أن الإيرادات لا تغطي المصروفات وأن الإجراءات التي إتخذتها السلطنة ليست كافية لحل هذه المشكلة.
إن تخفيض التصنيف الإئتماني هو عبىء على الدولة بدون شك، فهو يقلل من ثقة المستثمرين في متانة الإقتصاد. كما انه يؤثر سلبا في إمكانية الإقتراض الخارجي حيث أنه يقلل من ثقة البنوك في إمكانية إسترداد أموالها من الدولة المقترضة وهذا ما يدفعها لرفع نسبة الفائدة على القرض الذي تحصل عليه هذه الدول مما يجعل تكلفة الإقتراض الخارجي عالية، كما يؤثر ذلك أيضا على ثقة المستثمرين في شراء السندات والصكوك التي تصدرها الدولة خوفا من عدم مقدرة الدولة على سداد فوائد ورأس مال هذه السندات.
ومع إستمرار الإنخفاض في أسعار النفط، ستبقى النظرة المستقبلية سلبية كما وصفتها مؤسسة مووديز.
ودعونا لا ننظر إلى ما مضى لأن الزمن لن يعود ولسنا هنا لإلقاء اللوم على أي مؤسسة كانت سببا في إستمرار إعتماد الحكومة على النفط كمورد أساسي ووحيد للإقتصاد طوال الفترة الماضية رغم الدعوات للتنويع الإقتصادي والذي كنا نقرأه في مقررات التربية الوطنية منذ السبعينيات وكنا نسمعه في الإذاعة والتلفاز.
إننا جميعا مطالبون مؤسسات وأفراد بالمساهمة في التقليل من الأثار السلبية لإنخفاض أسعار النفط، ولا يزال هناك متسع كبير للعودة وبقوة إلى التصنيفات العالية.
ولننسى فكرة أن النفط سيرتفع مرة أخرى إلى 100 دولار أو حتى إلى 80 دولار للبرميل، لأن ذلك لن يحدث أبدا حسب أفضل التوقعات الصادرة من بيوت الخبرة العالمية في مجال النفط.
لكن هناك متسع كبير لا يزال متوفرا وهناك حلول سريعة مثل ما سنذكره أدناه وحلول طويلة الأجل كتلك التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها من خلال الصناعة والسياحة والتي أصبحت اليوم تحت مظلة البرنامج الوطني لتعزيز التنوع الإقتصادي – تنفيذ.
ولنبدأ بالطريقة التي نستهلك فيها الكهرباء. كما تعلمون فإن الكهرباء مدعومة وتنفق الدولة الملايين في هذا الدعم. وهنا أستحضر مقولة الأمير محمد بن سلمان – ولي العهد السعودي – في إحدى المقابلات التلفزيونية حين قال للمذيع،” ليس من العدل أن أستفيد أنا وأنت من الدعم كما يستفيد منه الفقير”. فالذي لديه بيت كبير به أكثر من عشرين جهاز تكييف تعمل ليل نهار يستفيد بشكل أكبر من الدعم من صاحب البيت الصغير الذي ربما لا يوجد في بيته إلا خمسة أجهزة تكييف يحرص على تشغيلها فقط في وقت الضرورة القصوى. وبالتالي قد يصل الدعم لصاحب البيت الكبير ل 300 أو 400 ريال على سبيل المثال بينما لن يتعدى الدعم 10 ريالات للبيت الأصغر. والأمر كذلك بالنسبة لدعم الماء الموصل إلى المنازل.
وبالتالي هناك ضرورة ملحة لرفع الدعم عن الكهرباء حسب نسبة الإستهلاك، فيبقى الدعم في حدود الإستهلاك (بالميجا وات) المحدود بينما يرفع الدعم عن ما تعداه.
أما الأمر الاخر والأهم في تنويع مصادر الدخل هو البحر. ولنستحضر في هذا المقام دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل عمان عندما قال “اللهم إجعل ميرتهم من بحرهم”. إن دولتنا تعانق المحيط الهندي حيث تشق قوافل صيد السمك الاسيوية والخليجية وحتى الأوروبية طريقها لصيد أجود أنواع الأسماك وبيعها بأسعار خيالية تدر الملايين والمليارات. لعلكم لا تعلمون أن هناك ما يقارب الثلاثون شركة أسماك أوروبية تعمل ليل نهار في أعماق المحيط الهندي في المياه الدولية وهناك أيضا أساطيل الكثير من دول اسيا البعيدة. ونحن اولى بخيرات المحيط الهندي من الغريب البعيد.
يجب أن تستعيد عمان دورها الحضاري فنحن أسياد البحار وكانت موانئنا محط أنظار العالم كله. قال لي صديقي السعودي يوما، إن رزقنا من الصحراء ورزق أهل عمان من البحر وهكذا قسم الله الأرزاق. وهذا يفرض على مؤسسات الإختصاص عمل اللازم لأجل تطوير وتمهيد الطريق نحو الإستثمار الجاد بالمستويات العالمية في قطاع الأسماك.
أما العنصر الثالث فهو توفير الوظيفة للموطنين. هذه مسؤولية رجال الأعمال الذين لم تبخل عليهم الدولة أبدا لا في أرض ولا في تسهيلات ولا في غيره من الأمور التي ساهمت في تنمية أعمالهم وتسهيل بيعهم وشرائهم. لقد كنت طالبا في الولايات المتحدة الأمريكية أيام أحداث سبتمبر في نيويورك. أصيبت الولايات المتحدة الامريكية في إقتصادها جراء الأحداث وجراء الأزمة الإقتصادية العالمية. حينها هرعت جميع المؤسسات الخاصة في المساهمة في تخفيف حدة الأزمة بل وفي رفع الأزمة. لقد توقف التوظيف لغير الأمريكان، بل وتم تسريح غير المواطنين وإتاحة الفرصة للمواطنين فقط لشغل الوظائف، خاصة الوظائف ذات الدخل العالي وليس الدخل المتدني. لم يتم الإيعاز ولا إجبار أحد في توظيف غير المواطنين ولكنه الواجب الوطني الذي حرك المشاعر ودفع بالمسؤولية الوطنية نحو إبقاء الوظائف للمواطنين.
إن توظيف غير المواطنين ليس عبئا على الباحثين عن عمل فقط والذي هو عبئ على الحكومة، بل هو عبئ على العملة التي ترحل المليارات منها سنويا في تحويلات العاملين غير المواطنين. والعبئ الأكبر هو عندما نعلم أن العملة مرتبطة بالدولار حيث يستفيد الوافدين أكثر من هذا الربط عند تحويل العملة من الريال العماني إلى عملات أوطانهم.
وهناك حلول أخرى يمكن التطرق إليها لكننا في هذا المقال سنكتفي بالحديث عن هذه الحلول حتى لا نطيل في المقال، وربما سنكمل الحديث في هذا الجانب في المقالات القادمة بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى