المقالات

هدايا العيد الصهيونية

بقلم: إبراهيم عطا

تعودنا في كل سنة أن نكرر ونعيد بيت شعر المتنبي العتيد الذي يتساءل فيه ابو الطيب عن الجديد: *”عيد بأية حال عدت يا عيد، بما مضى ام بأمر فيك تجديد؟”*، وكأن أعيادنا لا تأتينا بأي تغيير ايجابي ابدا، ولا تبدل من واقعنا الاليم الا للاسوأ، لتبقى اجواء التشاؤم كل عام هي سيدة الموقف، واحوال الوطن العربي على حالها عام بعد عام، لنعود وننتظر العيد الجديد، على أمل أن تتحسن الامور في المستقبل المنظور ..
ولو اقتصر الامر على عدم التقدم بخطوات الى الامام واكتفينا باستمرار واقع الحال على ما هو عليه لبقي الامر محمولا ومقبولا، غير أن التراجع، وخاصة السياسي، والرضوخ والركوع المذل لبلداننا أمام العنجهية والبلطجة الصهيوامريكية، هو اكثر ما يقلق ويحبط الانسان العربي الشريف …
ففي الوقت الذي تقوم فيه دولنا بالعمل على محاربة الازمات الداخلية من اقتصادية وصحية، ويقوم اغلب حكامنا بمقارعة كل شيء، وبطريقة دونكيشوتية، لارضاء “الخواجات الغربية” في سبيل البقاء على الكراسي الرئاسية، نرى أن “مستعمرة إسرائيل” المزروعة في قلب امتنا العربية لا تتوقف عن اغراقنا بهدايا العيد التدميرية، والتي نتقبلها بصمت مطبق، والصمت من علامات الرضا المدوية، وهو ما يجعل هذا الاحتلال يمعن في ارسال المزيد من رسائل العيد التحقيرية…
فعلى سبيل المثال بالأمس، ثالث ايام العيد، وصلنا خبر استشهاد الشاب عبده التميمي تحت التعذيب في مركز اعتقال المسكوبية السيء الصيت والذي يستخدمه الصهاينة لاذلال سكان القدس واكراههم على التخلي عن المدينة وترك الاراضي الفلسطينية، والتزمنا الصمت، ورأينا قبل يومين اقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى وضرب المرابطات الفلسطينيات واذلالهن في الساحات على مرأى من الجميع وامام عدسات الكاميرات، والتزمنا الصمت، ووصلتنا هذا الاسبوع الاحصائيات التي تقول أن الاحتلال الصهيوني هدم ٤٧٤ منزلا فلسطينيا منذ بداية العام ٢٠٢١ وصمتنا، وأنه اعتقل ٥٤٢٦ فلسطينيا في النصف الأول من هذا العام، والتزمنا الصمت، وعرفنا انه ما زال يحتفظ ب ٢٥٤ من جثامين الشهداء الفلسطينيين الذين يرفض تسليمهم لذويهم، والتزمنا الصمت، وكذلك وصلنا ما قام به من جرف لاكبر مقبرة كنعانية في منطقة الخضر جنوب بيت لحم، والتزمنا الصمت… أما سلطة التنسيق الامني فلم تلتزم الصمت ابدا، فقد اعلنت انها تحمل حكومة الاحتلال المسؤولية عن عمليات الهدم والتهجير القسري في مناطق الغور، وناشدت وزارة خارجيتها المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته تجاه ما يحدث في الاراضي الفلسطينية…، وكأننا لا نعرف من هو المسؤول عن احتلال فلسطين وعن معاناة الشعب الفلسطيني، وتصورنا كالحلقة الاضعف التي لا حول لها ولا ارادة في الدفاع عن نفسها وعن حقوقها المشروعة في الحرية والاستقلال …
هذا على صعيد فلسطين ولكن الهدايا لم تقتصر فقط على الاراضي المحتلة، فقد طالت سوريا ولبنان أيضا، حيث قام الصهاينة بقصف الاراضي السورية انطلاقا من اجواء لبنان، مما ادى الى سقوط بعض الهدايا، اقصد الصواريخ، على القرى والبلدات اللبنانية، وصمتنا، وكذلك وصلنا امس الاعلان الهدية حول دخول دولة الاحتلال كعضو مراقب في الاتحاد الافريقي، وصمتنا، وغيرها الكثير الكثير.. وهذه الهدايا التي تقدمها دولة الاحتلال لنا في العلن وفي وضح النهار انما تقوم بذلك امعانا في المهانة والاذلال للامتين العربية والاسلامية….
وخلال هذا العيد وصلت واحدة من ادسم الهدايا الصهيونية، وبالرغم من انها قديمة جدا الا ان العالم تأخر كثيرا في فتحها، وهي برنامج بيغاسوس التجسسي الذي تحدثنا عنه مرارا، والذي باعه الصهاينة بملايين الدولارات لبعض حكام الدول والممالك والامارات ليتم استخدامه ضد المواطنين والجيران والاصدقاء، والذي اوقع آلاف الضحايا، وربما الملايين، من العرب والمسلمين، بعضهم دفع حياته ثمن ذلك، إما قتلا او انتحارا، والبعض الاخر، وهم الاغلبية، اضطروا لبيع كرامتهم ومبادئهم، وصاروا يدافعون عن الكيان الصهيوني، ويعلنون بالفم الملآن ان “فلسطين ليست قضيتي، وليس هناك شيء اسمه فلسطين، وأن الأقصى لا يساوي شيء”، وساهموا في مشروع التطبيع كالخراف في القطيع المطيع…
وهناك الكثير الكثير من الهدايا التي بعث بها الصهاينة للعرب والمسلمين وقد وصلت الى دولنا تباعا على مدى العام، ولكن لا مجال هنا لذكرها وحصرها، مثل القيام بتبادل الزيارات وافتتاح البعثات والسفارات وتوقيع اتفاقيات، بالإضافة إلى اطلاق الكثير من الوعود والتهديدات…
وهذا ليس تشاؤما على الاطلاق، ولكنها دعوة لرفض هدايا العيد الصهيونية المهينة، والرد عليها بصوت مزلزل، وربما بهدايا اقوى واكبر منها كي يكون لعيدنا طعم ولون وبهجة… ولكن يبقى املنا الكبير بالهدية الثابتة والصامدة التي يقدمها اهلنا وكل يوم في عموم فلسطين، من خلال دفاعهم عن الأقصى المبارك وعن القدس الشريف وعن كرامة العرب وعزة المسلمين…وكل عام والامة بخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى