المقالات

23 يوليو همسة في أذن الجيران

بقلم: جمال الكندي

لكل دولة علامة فارقة في تاريخها السياسي تكون نقطة تحول من زمان إلى زمان ومن وضع إلى آخر، سواء كان سلباً أو إيجاباً على ذلك البلد.
سلطنة عمان ليست مستثناة من هذه القاعدة وتاريخها الكبير منذ قرون متطاولة حافل بالعلامات التاريخية الفارقة التي رسمت لملامح هذا البلد، ونحتت على الصخر تاريخه المشرق الذي لا يغطى بغربال الحقد السياسي .
23 يوليو 1970 م هي واحدة من علامات سلطنة عمان الفارقة في العصر الحديث، وهي الأبرز حتى يومنا هذا، ففي هذا اليوم تسلم مقاليد الحكم “السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور آل سعيد”، ومنذ ذلك الحين تحتفل سلطنة عمان بهذا التاريخ وتجعلها من أيامها الوطنية.
طبعاً مهما كتبت فيما تحقق من إنجازات على الجغرافية العمانية منذ 23 يوليو 1970 وحتى اليوم فلن أوفي حق السلطان قابوس في إظهار منجزاته الداخلية والخارجية فهو بامتياز باني نهضة عمان الحديثة، وأعلم أن هنالك أقلاما سوف تنبري لإبراز منجزات تاريخ العلامة الفارقة .
أنا هنا سأهمس في أذن الجيران وأقول لهم ماذا يعني تاريخ 23 يوليو 1970م بالنسبة للعمانيين ؟ : يعني تاريخ الانتقال إلى الوحدة السياسية ، وهو يعني متانة القرار السياسي في عمان ، وهو يعني الاستقلال في اتخاذ القرارات السياسية وفق الرؤية العمانية الخاصة المبنية على المصلحة الوطنية العالية ، وهو يعني لا مساس بالتراب العماني ولا فرق بين جنوبه وشماله ، وهو يعني إعادة سلطنة عمان إلى الواجهة العربية والعالمية، وتذكير العالم أنها صاحبة تاريخ عريق لا بد أن يحترم ويقدر.
من هذا التاريخ الكبير استلهم السلطان قابوس طريقة حكمه في سلطنة عمان ، فكان التاريخ العماني شعاع الضوء لهذا القائد لإخراج عمان من العزلة والإنطوائية إلى الوجود السياسي بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات، وأن عمان أصبحت ذات شأن في المعادلات السياسية، خليجياً وعربياً وعالمياً.

من هنا كان لابد لنا أن نذكربمناسبة هذا التاريخ المهم بالنسبة للعمانيين، من يحاول بين فترة وأخرى النيل من قرارات عمان السياسية فيما يخص أزمات المنطقة .
سأستغل هذه المناسبة وأهمس في أذن من يهمه الأمر، وأذكر بأن سلطنة عمان تنطلق من مبادئ رسمت في 23 يوليو 1970 ، هذه المبادئ ميزت سلطنة عمان عن غيرها بأنها حكومة مستقلة، لا يتدخل في شأنها الداخلي هذا أو ذاك، وقرارتها نابعة من البعد الوطني، المستمد من التاريخ العماني في إدارة السياسة الخارجية وإرثها التاريخي عون لها في ذلك، والذي أعاد هذا التاريخ القيادة السياسية للسلطان قابوس.
من هنا كانت الاستقلالية العمانية والبعد العماني الواضح في أزمات المنطقة التي صنعتها ثورات 2011 ، بصرف النظر إن كانت حقيقة أو مسيرة أو مسيسة من الخارج.
المهم أن عمان 23 يوليو 1970 م كانت لها علاماتها الفارقة في التعاطي مع هذه الأزمات ، وكانت تنطلق من أرض ثابتة عنوانها ” لا نتدخل في شؤون الغير ولا نقبل بأي أحد أن يتدخل في شأننا العماني الداخلي من أي شخص أو كيان سياسي” .

من أجل ذلك كانت عمان تغرد وما زالت تغرد خارج سرب حرب اليمن، وحرب سوريا وقبلها حرب ليبيا، وقد أثبت هذا التغريد المنعزل عن دول تحاول جذب سلطنة عمان إليها، أن عمان كانت على صواب التوجه السياسي في المنطقة ، ومن يرى ما يصيب هذه البلدان من أزمات سياسية وإجتماعية يدرك أن عمان درست التاريخ جيداً، وطبعاً تاريخها السياسي الكبير قبل كل شي، واتخذت قرارها فأصابت وخسرمن أراد جرها إلى مستنقع الحروب العبثية .
عمان 23 يوليو تصنف اليوم بأنها سويسرا العرب ، وهذا اللقب يعني أنها بوابة السلام في المنطقة وملجأ وكرسي المتخاصمين في العالم ، ولم يقتصر دورها الريادي في السلم الإقليمي، بل تعداه إلى دور في إيجاد السلم العالمي، فقضية مساهمتها في إنجاح الإتفاق النووي الإيراني مع المجتمع الدولي أكبر دليل على ذلك، وهذه شهادة يعتز بها كل عماني.
همسة في أذن الجيران، عمان لا تتغير ومحاولة شيطنتها بأفعال الصغار لن يؤثر عليها ، وقراراتها السياسية والاقتصادية نابعة من وحدة قرارها الوطني، والمصلحة العليا للبلد هي الأساس ، وربما هذا ما يميزنا عن الآخر، فأي قرار يتعلق بالدخول في حرب أو مقاطعة دولة معينة، يفحص وفق الإطار الوطني والمصلحة العمانية، ووفق المنهج الذي رسمته العلامة العمانية الفارقة في عام 1970 م ،والتي أسست لكيان عماني حديث ، درس جيداً قدراته الاقتصادية والسياسية، وأستمد وهو الشيء المهم والغائب عن من يريد حرف القطار العماني عن مساره السياسي في المنطقة من تاريخه الكبير الذي كان ومازال رصيده في إظهار الكينونية العمانية وخصوصيتها .
23 من يوليو هي همسة في أذن من لا يريد أن يسمع ويدرك من تكون سلطنة عمان، ولماذا هي بعيدة عن تجاذبات المنطقة السياسية وتناحراتها العسكرية ، فإذا درستم التاريخ العماني أدركتم لماذا هي توجهات الحكومة العمانية مختلفة عن غيرها في قرارات الحرب والمقاطعة .
لذلك ستبقى عمان منارة السلم في المنطقة وستذكر في كتب التاريخ الحديث أنها لم تشارك في سفك دماء أخوتها في الدين واللغة، من أجل ذرائع واهية، كشفت الأيام أنها أوهن من بيت العنكبوت .
ومن أجل ذلك سنرى بين الفينة والأخرى من يحاول شيطنة عمان إما إعلامياً أو اقصادياً أو سياسياً، بسبب مواقفها المستقلة، التي لم تتلون إلا بلون علمها الذي ميزها عن غيرها في دول المنطقة وأكسبها الاحترام لأنها انطلقت من أجندتها الوطنية العمانية الخالصة .
عمان 23 يوليو هي فخر وفخار لكل عماني ويكفي أننا حينما نذكر كلمة عماني تأتينا قائمة كبيرة من المدح والثناء ، وهذا الثناء صنعته سياسية عمان الخارجية، والتي رسمتها العلامة الفارقة بتاريخ 23 يوليو 1970 م بقيادة السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله تعالى لعمان وأهلها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى