المقالات

الناجحون: محمودون في السماء منبوذون في الأرض

بقلم:د.رجب العويسي

مع أن معيار النجاح قد يختلف من فرد لآخر ومن بيئة لأخرى باختلاف مفهومه ودلالاته وممارساته وتعبيراته ورموزه الثقافية والفكرية والعملية ومجالاته ونطاق عمله، إلا أننا يمكن أن نبني مؤشراته في عمل متقن وحماس متقد وعطاء مستمر، ودافع شخصي راق، ومبادرة ذاتية، ورغبة في العطاء، واتساع في الفكر، وعمق في التجربة، ونظرة واعية للواقع واستشراف له، يضاف الى ذلك بساطة في الحياة، ودماثة في الخلق، وتواضع في الذات ورسوخ للقيم، ونبل في التعامل، وجد واجتهاد منقطع النظير تعلوه الحكمة والتوازن وصدق المبدأ، وغيرها من الصفات التي قد يشتركون فيها، أو قد يتفوق بها بعضهم على الآخر.
الناجحون هم شعلة في الحياة لا تنطفئ ، ومسارات في العمل المخلص لا تنفد، ومساحات في الامل والعطاء مهما تنكرت لهم الأيام أو أذهبت بريق صنعهم الأحقاد، أو تخلى عنهم الأحباب، إنهم صناعة الحياة الراقية ومسارها السليم وطريقتها في فهم ذاتها ، دانت لهم المعرفة بلسما، وبنوا فيها بالتطبيق منهجا، فقادوا خلالها العمل ، وبنوا في ظلها الآمال لمن ضاقت بهم الحياة، وتعالت عليهم الكراهية، فامتطوا صهوة الأمنيات شموخا، يزين بهم الجمال رسمه، ويسمو بهم الكلام نظمه، وتعظم قيمتهم في الحياة كلما قلت البدائل، فكانوا خير من يمنح الحياة تعددا، ويبني للأجيال فرصا، ويتيح للنفوس الواعية تأملا في واقع أو قراءة في مستقبل تقرأه الأعين في حرص الناجحين وعطائهم. إنهم نفوس تتجدد، وعطاء مستمر، وروح نبض بالحب والوفاء، وصدق العمل والبحث عن الجديد وخلق فرص التجديد وبناء مسارات تتعاظم معها الأمنيات الراقية في بحر الحياة الواسع، وقيمة الذوق وعظمة الانجاز في مساحات العمل المتباعدة فتجدهم في المقدمة، ينجزون بلا ملل ويعطون بلا توقف ويسارعون في الخير بصمت يحمل ثقل الانجاز، ورغبة صدق ونسمه روح وابتسامة تخجل الحياء وتبني فرص السعادة للآخرين ، لتسير قافلة الخير بإذن الله مدرارا عطاؤها، مزهر بريقها، تنتج للحياة خيرا كثيرا وفضلا كبيرا، في تحدي مع الحياة وثبات على المبدأ وحسن الظن في التعامل والمهنية في العطاء والقوة في الضمير والدقة في المنهج، يحملون للجمال بريقه الساطع، ويتيحون للعطاء نماذجه المثمرة التي لا تنتج الا بردا وسلاما، إنهم محمودون في السماء فضلا من الله وكرما ومنة، منه ونعماء وحمدا له وشكرا، فازدانت بهم الارض خيرا، وانتفضت بهم الحياة عملا وعلما، وانفتحت بهم أسارير الحياة تصفق للعطاء المبهر وترسم في وجه السعادة ابتسامة السعادة- التي غيبّها الحاقدون الكارهون لجمال العطاء، والمتسلقون على لحن الانجاز، والمتظاهرون على عنوان الكلمة-، فارتقت في وجودهم الممارسة، وانتقل في عهدهم النجاح ليسمو غيثا مغيثا، ليخلد عطاؤهم النوعي ويُبقى للحياة بصيص أمل صنعته أيديهم، اضافات جديدة ولمسات مبهرة، وحيثما وجد الناجحون وجد التجديد، وتلاشت البيروقراطيات، وضمرت الفجوات، وتناغمت الاهداف، وبرزت الاولويات، وتجلت الأليات والأدوات في أجمل تقارب لها مع الواقع، وأعظم تسامح لها مع العمليات، تترجم مساراته وتعكس همومه وأحواله.
ولمَا كان الأمر كذلك استحقوا أن تكون لهم الصدارة ، وأن ننظر إلى صنيعهم بعين الوعي والمسؤولية، فامنحوهم رعاكم الله، السلام الذي يضفي على نفوسهم رغبة العطاء، وضعوهم في المقدمة ليكونوا خير معين لكم على نجاح الانجاز، واحفظوا لهم قدرهم ليواصلوا مشوار العمل الذي أخلصوا لأجله، وارسموا الخير في وجوههم، واستبشروا البر بعطائهم، كونوا لهم عباد الله اخوانا، تحبونهم بصدق، وترغبون بوجودهم بشعوركم بقيمتهم، وصدق منهجيتهم، وأديم فضلهم، وبلسم جودهم، وثمار غرسهم، وتسامح مبدأهم، فاجعلوا لأحلامهم وآمالهم وطنا يستريحون فيه لبناء الثقة والارادة، واسدلوا عليهم ستار الأمان ليفتحوا لكم ابواب النجاح ، وامنحوهم صدق الوفاء بتهذيب عطائهم وتدريبهم وتعليمهم في أجمل ما يتمنون وألطف ما يستهوون ، فيزيد شغفهم بالنجاح، وتسمو حياتهم بالفلاح، وتغدق عليهم الآمال نصرا ونورا ، رسما ينبض بالحب ، ويستهدي بالعطاء ويقترب من القناعة، لذلك كان البحث عن كل ما يعزز فيهم طاقة الانتاج ويرسم فيهم قيمة المبدأ ويحقق لهم حلم التميز، خير هدية لهم، تمنحهم فرص اكبر للعطاء بلا توقف والانجاز بلا حدود.
ما أحوج المؤسسات اليوم لهذه الكوكبة من الناجحين القادرين على إضاءة طريقها ورسم هويتها، وتوحيد جهدها وضبط متغيراتها، واعادة قراءة خطوط انتاجها من جديد، في ظل ما تتيحه من فرص التجديد وتمنحه من قوة التأثير، وتبنيه من فرص الخيال والتأمل ليزداد بهم التألق، وتبرز في انتاجية المؤسسات الجدارة بصورتها المشرقة الصافية، فتزيد الانتاج رصانة وقوة، وتبرز الأدوات بصورة أكثر فاعلية ومهنية، وتتجاوز الممارسات حالات التراجع والضعف والترهل والكراهية والفرقة بين أبناء البيت الواحد، لتستبدل بها قوة في التوجه وصدقا في التعامل، لتصل الى أعلى مستويات الجودة ومؤشرات الأداء ومسارات التفوق. إنها بذلك منتج استراتيجي وقيمة مضافة مربحة للمؤسسات، فحق لها التكريم، وإبرازها في موقع الصدارة، بعيدا عن التنميط والتهميش أو حالات الاقصاء وهدر العطاء، أو محدودية المتاح أمامهم وكثرة الاجراءات التي أصبحت لا تميزهم ولا تمنحهم حق الاستثناء، أو الزهد فيهم والاهتمام بالفرقعات الصوتية التي قلما تثبت في وجه التغيير، كونوا للناجحين في المؤسسات خير بصير بحقوقهم، واجعلوا من استراحة نفسياتهم واستقرار مزاجهم معينا، لفتح صفحات العطاء القادم ، الذي تصنعونه معهم وتشاركونهم نتاجه، فلننهض بهذه الكفاءات الناجحة، ونسمو بعطائها، ونقف عند مبادراتها، لتكون دلائل اثبات لنا على خير ما أنجزنا من أجل وطننا، وأنبل ما تفتخر به مؤسساتنا.
كم هم الناجحون مسارات صدق، وطريق أمل، ومنهج عطاء، ومفتاح لأبواب متسعة، وقدوة لنفوس تواّقة لفعل الجميل، إنهم يحملون التفاؤل والامل لعالم مليء بالأشواك، ليُخرجون منه ورودا مزهرة وعطرا بلسما يسع الجميع عبيره، ويحتوي الكل صفوه وبريقه، فلنكثر من وجودهم في المؤسسات، ولنمنحهم فرص اثبات الذات، واعادة صياغة واقعنا من جديد، وخلق حوارات واسعه من الصراحة والثقة، لنحتويهم بقلوبنا وصدق ضمائرنا وحسن ظننا، قبل أن تعدهم ألسنتنا فيعيشوا واقع الصدق الذي يملؤهم ، بينما هو وهم الخيال بكذبنا عليهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى