المقالات

منظومة حماية الأجور عدالة تشريعية تعزز الأمان الوظيفي

بقلم : عادل الكاسبي

أصدرت وزارة العمل في سلطنة عُمان القرار الوزاري رقم 299/2023 الذي أطلق منظومة حماية الأجور، قبل أن يُستبدل لاحقًا بالقرار الوزاري رقم 729/2024 في ديسمبر 2024 ليعزز الضوابط القانونية ويحدد سقفًا زمنيًا لا يتجاوز ثلاثة أيام عمل لصرف الرواتب عبر البنوك والمؤسسات المالية المرخصة من البنك المركزي العُماني وقد مثّل هذا التحديث نقلة نوعية في تنظيم العلاقة بين صاحب العمل والعامل، وأوجد آلية واضحة تضمن وصول الرواتب في وقتها المحدد مع فرض عقوبات على المنشآت غير الملتزمة تصل إلى الغرامة المالية والتقييد الإداري.

منذ بدء تطبيق هذه المنظومة، ظهرت فوائد ملموسة انعكست على بيئة العمل بشكل عام. فقد ضمنت للعاملين، عمانيين ووافدين، الحصول على رواتبهم في موعدها المحدد، وهو ما أسهم في الحد من الشكاوى المرتبطة بالتأخير أو الحجز التعسفي. كما عززت هذه الخطوة الثقة بين أطراف الإنتاج بفضل الشفافية التي فرضها التحويل الإلكتروني المراقب من وزارة العمل والبنك المركزي. ولم يقتصر الأثر على البعد الفردي، بل شمل قطاع العمل ككل، حيث أوجدت المنظومة قاعدة بيانات دقيقة للأجور تسهل التخطيط الحكومي وتدعم الرقابة على سوق العمل، مع رفع مستوى التزام المؤسسات بالمعايير القانونية والإدارية.

وقد أظهرت الإحصاءات الرسمية أن أكثر من 98 ألف منشأة سُجّلت في المنظومة حتى مطلع 2025، بينما فعّلت ما يقارب 25% منها النظام بشكل كامل، مع توجه الوزارة لرفع نسب الالتزام تدريجيًا وصولًا إلى 90% بنهاية العام. هذا الإطار الرقابي المتصاعد يعكس جدية الدولة في إرساء ثقافة الانضباط، ويوجه رسالة واضحة لأصحاب الأعمال بأن الالتزام بالحقوق لم يعد خيارًا بل التزامًا قانونيًا لا يمكن تجاوزه.

الأثر الأعمق لهذه المنظومة تجلّى في شعور الموظفين بارتفاع مستوى الأمن الوظيفي. انتظام صرف الأجور منحهم استقرارًا ماليًا خفف من القلق والضغوط المعيشية، وأدى بالتالي إلى رفع مستوى الرضا الوظيفي والإنتاجية، كما قلل من النزاعات العمالية وأوجد بيئة عمل أكثر استقرارًا وتعاونًا. كما أن ربط المنظومة بالبنوك مباشرة مكّن وزارة العمل من التدخل الفوري عند وقوع مخالفات، وهو ما عزز ثقة العاملين بقدرة الدولة على صون حقوقهم.

من وجهة نظري فإن هذه المنظومة تعد واحدة من أبرز الإصلاحات التشريعية في سوق العمل العُماني خلال السنوات الأخيرة، لأنها لم تقتصر على حماية الأجور فحسب بل أسست لثقافة مؤسسية جديدة قوامها الشفافية والالتزام والعدالة كما إنها خطوة عملية تؤكد أن صون حقوق العاملين هو استثمار مباشر في استقرار سوق العمل ونمو الاقتصاد وهو ما ينعكس في النهاية على المجتمع بأسره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى