المقالات

البطانة الصالحة

جاء في الأثر أن رجلا سأل عليًّا بن أبي طالب -رضي الله عنه-: “لماذا كثرت الفتن في عهدك ولم تكن كذلك في عهد أبي بكر وعمر ؟ قال: لأنهم كان أمراء على مثلي، أي (مثلي بطانتهم)، وأنا أمير على مثلك.

وعن محمد بن يوسف الفريابي، قال: “سمعت سفيان الثوري يقول: أُدخِلت على أبي جعفر (الخليفة) بـمنى، فقلت له: اتق الله، فإنما أُنزِلت في هذه المنزلة، وصرت في هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار وأبنائهم، وهم يموتون جوعاً! حج عمر فما أنفق إلا خمسة عشر ديناراً وكان ينزل تحت الشجر”. (عمر ينزل تحت الشجر) فقال الخليفة لـسفيان: أتريد أن أكون مثلك؟! قلت: لا، ولكن دون ما أنت فيه وفوق ما أنا فيه.
‏ فقال أبو عبيد الكاتب: أمير المؤمنين يٌستَقبل بمثل هذا؟! فقال سفيان: اسكت إنما أهلك فرعون هامان” . أي البطانة السيئة.

هذا قبل…
‏ أما بعد… ‏

لما تولّى أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- الخلافة؛ خطب في الناس قائلاً: ” أما بعد، أيها الناس فإنّي قد وُلِّيتٌ عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأتُ فقوّموني، الصدقُ أمانة، والكذب خيانة،والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله. لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيعُ الفاحشةُ في قومٍ قطّ إلا عمّهم اللهُ بالبلاء، أطيعوني ما أطعتٌ اللهَ ورسولَه؛ فإذا عصيت اللهَ ورسولَه فلا طاعةَ لي عليكم. قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله”.

حدد -رضي الله عنه- إستراتيجية العلاقة بين الحاكم والمحكوم وقانون الدولة العام.
ومدار هذه الاستراتيجية *تقوم على البطانةِ الصالحةِ التي تُعين على الخير وتحذر من الشر. لا كذبَ؛ فالكذبُ على المسؤول خيانةٌ. ولا نفاقَ؛ فمنافقةُ ومجاملةُ المسؤول على حساب الحق خيانة. الإلتزام والاستقامة على دين الله، فالسعي لإشاعة الفاحشةِ خيانةٌ.
الحضاراتُ المستدامةُ سادت – على اختلاف دولهم- بالمحافظةِ على الأخلاقِ الفاضلةِ التي توارثتها الأجيالُ عقيدةً ثابتةً راسخةً على مر العصور، وبادت حين انتشر الكذبُ والنفاقُ والفاحشةُ والبطانةُ السيئةُ.

أخيرا…

كتب أحدُهم إلى أحد الأمراءِ: …وشاور في أمرك الذين يخافون الله تعالى، واحذر بطانةَ السوءِ؛ فإنهم إنما يريدون دراهمَك، ويُقَرِّبون من النارِ لحمَك ودمَك.

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا أراد اللهُ بالأميرِ خيرًا؛ جعل له وزيرَ صدقٍ؛ إن نسي ذكَّره، وإن ذكَر أعانه. وإذا أراد اللهُ به غير ذلك؛ جعل له وزيرَ سوءٍ؛ إن نسي لم يُذكِّره، وإن ذكَر لم يُعنْه”.

اللهم ارزق وليَّ أمرِنا -حفظه الله ورعاه- البطانةَ الصالحةَ التي تعينه على الخيرٍ وتدله عليه، اللهم وفقه وأسرته الكريمة وحكومته لما فيه خير للبلاد والعباد يارب العالمين.

ابو خالد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى