المقالات

الخلاف السعودي الإماراتي إلى أين ؟

د. محاد الجنيبي
(@mahadjunaibi)
مركز المياه الهادئة للدراسات الاستراتيجية والقانونية

انعطفت العلاقة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خلال الأشهر الأخيرة انعطافا سلبيا صاحبه توتر في العلاقات بدأ يظهر بشكل واضح بين الدولتين، وقد نتأت هذه التوترات كنتيجة تراكمية سببتها المواقف المختلفة، سواء تلك التي تتعلق بالشأن اليمني، وإنتاج النفط والحسابات الجيوسياسية الواسعة.

توالت الأحداث بشكل مربك وسريع بعد أن أوقفت المملكة العربية السعودية جميع الرحلات الجوية مع الإمارات، في حين كانت تدور خلافات باردة بين البلدين حول إنتاج النفط، ناهيك عن موقف السعودية الرافض للتطبيع مما حذا بالمملكة إلى تغيير قواعدها بشأن الواردات إلى دول الخليج الأخرى لضمان استبعاد البضائع المصنوعة في المناطق الحرة التي استخدم فيها المنتجات الإسرائيلية، مما شكل تحد مباشر ومعرقل لوضع الإمارات كمركز تجاري إقليمي، فضلا عن أن التوترات بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كانت تتزايد منذ فترة طويلة في مشهد كأن الدولتين تعيدان تقييم ميزان القوى في علاقتهما الثنائية، فكلا البلدين يندفعان لبناء مخازنهما من الأسلحة المتقدمة، وهما من بين المشترين الرئيسيين للأسلحة من جميع أنحاء العالم، و يتجه رأي الخبراء العسكريين و الاستراتيجيين إلى أن الامارات مهما حاولت الوقوف كند للمملكة السعودية فإنها ستظل عاجزة عن مضاهاة التفوق السعودي في القوى البشرية القادرة على التعامل مع مختلف صنوف الأسلحة المتطورة، ناهيك عن الثقل السياسي و الجغرافي و الديني، فلا مجال للمنافسة في هذا المضمار، حتى لو استندت الامارات الى حليفها الاستراتيجي الجديد (إسرائيل).

وصرح مصدر غربي مسؤول فضل عدم ذكر اسمه، لمركز المياه الهادئة للدراسات الإستراتيجية والقانونية، أن الخلافات الإماراتية السعودية لم تكن وليدة اللحظة، وتعود ارهاصاتها إلى عام ٢٠١٧ م حيث كانت هذه الخلافات واضحة بين القيادات العسكرية الوسطى من الجانبين، وقد أشار المصدر أن هذه الخلافات كانت حقيقية وخطيرة في كثير من الأحيان، وذلك لاختلاف أهداف الدولتين في حرب اليمن ، وقد بلغ هذا الخلاف ذروته بمقتل ١٢ سعوديا بنيران إماراتية في اليمن، وهو ما أدى الى تدخل القوات الأمريكية وبعض الحلفاء، في محاولة منهم لإنهاء هذا الخلاف العسكري ، وقد حاولت القيادتين السياسيتين السعودية والإماراتية احتواء هذا الخلاف ومنع تطوره. أما الخلافات السياسية فهي كثيرة ومتعددة اهمها خلافات حول المجلس الإنتقالي الجنوبي وخلافات أخرى على الصعيد الاقتصادي السياسي، وكان أهم الخلافات السياسية المصالحة السعودية القطرية التي لم تكن على هوى و رغبة دولة الإمارات، وفي الوقت ذاته فإن ادعاء الإمارات انسحابها الكامل من الحرب في اليمن، لم يكن على رغبة و هوى السعودية، و اختتم المصدر أن دولة الإمارات وجهت اتهامات خطيرة للجانب السعودي حول انتهاكات الأخيرة لحقوق الإنسان في اليمن، وادعت أثناء مباحثاتها في الغرف المغلقة أن السعودية لا تكترث للقانون الدولي الإنساني، وانهم يتعمدون قصف الأهداف المدنية في الصراع الدائر في اليمن..

إلى أي مدى يمكن أن يصل الخلاف السعودي الإماراتي؟
إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يسارع إلى إعادة المملكة لدورها الريادي في العالمين العربي و الإسلامي، لذا بدأ في إصلاح العلاقات مع تركيا وقطر و العراق والإرتقاء بالعلاقات مع سلطنة عُمان إلى درجة الحليف الاستراتيجي، فكما يبدو أن ولي العهد السعودي يرى أن الوقت حان لتخفيف حدة التوترات مع كل من حوله، إلا أن المصدر الرئيسي للصراع كما تراه السعودية هو أن الإمارات ترى نفسها كمنافس للمملكة العربية السعودية وليس كشريك صغير، الأمر الذي تسبب في إعاقة كبيرة لتحقيق أهداف السعودية في ملفات كثيرة. ويأتي الخلاف في ما يتعلق بإنتاج النفط ليشكل هاجساً أخر للسعودية، إذ ترى أن الإمارات تريد أن تكون قادرة على إنتاج المزيد من النفط لتمويل مجموعة من الإستراتيجيات الاقتصادية والجيوسياسية، الأمر الذي قد يشكل تحديا للإتفاقات التي صاغتها المملكة مع أوبك بلس، و يقوض سلطة المملكة على أسعار النفط العالمية.

أما فيما يتعلق بالملف اليمني، فإن البلدان دخلا الحرب لوقف التمدد الحوثي في صنعاء و لكن الخلافات على الرؤى و الأهداف جعلت البلدين يدعمان أطرافا متصارعة في جنوب البلاد (الشرعية و المجلس الإنتقالي الجنوبي)، و من جانب أخر فمن المرجح أن اتفاقات أبراهام لتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل فاقمت أيضا التوترات بين البلدين، كونها لم تراعي الظرف السياسي لدول المنطقة، وأن الإمارات حاولت أن تخلق بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة في المنطقة على حساب الظرف السياسي السعودي.

نتيجة كل ذلك لم تعد المصالح الاستراتيجية للدولتين مشتركة، مع اتخاذهما سياسة علنية منفصلة في القضايا الرئيسية، فهل هذا الخلاف سيظل مضبوط الإيقاع مع استمرار التنافس في المدى المنظور، أم أن هناك صدام حتمي محتمل، في ظل رؤية سياسية واقتصادية مختلفة ومتنافسة ومتناحرة، مع استحالة نهج النظامين منهج التكامل، أو قبول الإمارات بالسير خلف السعودية.

 

 

لا يتحمل مركز المياه الهادئة للدراسات الاستراتيجية و القانونية مسؤولية المعلومات التي ساقها المصدر الغربي الذي فضل عدم ذكر اسمه، ويتمنى المركز أن يسود الوئام والسلام بين دول الخليج العربي..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى