المقالات

أما حان الأوان؟

بقلم:أحمد المعمري

يمر العالم حاليا بمنعطف خطير، وينذر بشرٍّ مستطير، يهدد سكانه، ويفرض عليهم كيانه، ليرسم لهم مشهدا مغايرا عمّا الفوه، ليس كالذي قد سلفوه.

في خضم هذه الأزمة التي صنعها فيروس لا يرى بالمجهر، أعاد للعالم الذهن بحجم قدراتهم، وكسر تعنتهم، وجعل الدول حتى ذوات الاقتصاديات الكبرى تتقوقع على نفسها، وتتحفظ على مخزوناتها الغذائية والطبية خوفا من القادم، مما يجعل بعض الدول التي تعتمد على الاستيراد في حرج كبير.

وطننا داخل ضمن تلك الدائرة التي ستواجه صعوبات لو استمرت هذه الجائحة لفترة أطول، وإن كان يصعب في هذا الوقت أن نصنع معظم أدويتنا والأجهزة التي نحتاجها للجائحة، لأن ذلك يكون نتاج تراكم خبرات ومحاولات جدية سابقة؛ لكن السؤال هل من الصعب ان تبدأ الجهات المختصة بالزراعة بالتحرك جديا ولو لأول مرة في تاريخها لتأمين بعض المحاصيل الغذائية؟ وما هذه الخبرات التي تحتاجها حتى تتعذر بإخلال مسؤوليتها أمام الشعب؟ وإن كانت أزمة النفط لم تطرق في السنوات الماضية آذانهم، ولا هذه الجائحة القاتلة فلا نحسبهم إلا جمادا!؛ فلو استمرت هذه الأزمة ل٣ أشهر إضافية وبهذا المعدل المتزايد من الإصابات عالميا، ستغلق كل الدول أسواقها حتى الآسيوية والأفريقية منها.

(قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِینَ دَأَبࣰا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِی سُنۢبُلِهِۦۤ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ ۝ ثُمَّ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰ⁠لِكَ سَبۡعࣱ شِدَادࣱ یَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ ۝ ثُمَّ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰ⁠لِكَ عَامࣱ فِیهِ یُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِیهِ یَعۡصِرُونَ)[سورة يوسف 47 – 49] ألا وقد فاتتنا تلك السنين فلا اقل من هذه الأشهر التي قد تكون حاسمة، وتغير بعض التكهنات للأحسن، حتى يأتي الوقت الذي يغاث فيه الناس وفيه يعصرون.

على المعنية بالزراعة ان تتحرك بشكل مكثف جنبا لجنب مع الوزارات النشطة في هذا الوقت، وان تحث المواطنين على الإقبال على الزراعة، واستغلال كل شبر صالح لذلك، وتزويد من يمكن تزويدهم بالمعدات الضرورية للبدأ في العمل، وتقدم للمزارعين الإرشادات العلمية الضرورية للحصول على نتائج ممتازة، وتجنبهم تلف محاصيليهم؛ وهناك الكثير من الدول -حتى بعض العربية منها- تطور بعض البذور جينيا لتتناسب مع طبيعة أراضيهم، فيجب علينا اخذ هذه الخبرة حاليا او على الأقل في قادم الأيام.

لو تأملنا أغلب المزروعات معنا، هي مزروعات ورقية يمكن الاستغناء عنها، وهي غير قابلة للتخزين، وسريعة التلف، وفي هذه المرحلة يجب توعية أرباب الزراعة بما هو ضروري للمرحلة هذه، وإلا سنجني ثمرة هذا الإهمال، مع العلم إن المحاصيل الجديدة تحتاج لأشهر لجني ثمارها، ولو استطعنا بذلك أن نسد أكثر من ثلث المحاصيل الأساسية للوقت الراهن، سيُجنب ذلك الدولة عبئا يثقل كاهلها.

من الأشياء التي يندى لها الجبين، تم توزيع أراضي زراعية بمساحة ١٠ فدان بمنطقة واسعة ممتدة بين الرستاق والملدة دون ملكيات شخصية، بل بعقد استثماري يوجب صاحبه دفع رسوم سنوية، والعجب العجاب ليس هنا، بل أنه لا يوجد مورد ماء لكل هذه المزارع الجديدة، فلا يسمح لم بحفر بئر ولم تقم الوزارة بإنشاء نبعٍ يزود هذه المزارع بالماء، عن طريق توزيع حصصه بالتساوي بينهم للتقليل من إهدار المياه؛ فليجبني أحدهم كيف يمكن استصلاح أرض فضاء لتكون زراعية بدون مصدر ماء؟! وهل من المعقول أن يستصلح أحدهم أرضا أو يزرع محصولا او يقيم مشروعا للانعام او الدواجن باستئجار دوبة ماء؟! وكم دوبة ماء يحتاجها المزارع للعشرة فدان لليوم الواحد؟! وأليس المزارع كالتاجر ينظر بمنظور الربح والخسارة؟! ماذا لو تم دعم مستثمري هذه المزارع بالتسهيلات؟ ألن تصبح الآن تلك الأراضي سلة غذاء لجنوب الباطنة وما حولها؟ بشرط ان تشرف الجهات المختصة على مستثمريها، لإرشادهم بتنويع المحاصيل، وإنشاء مشاريع ذات علاقة بالأنعام والدواجن؛ ومثل هذه القضايا عندنا كثيرة، فضلا عن توزيع الكثير من الأراضي الواسعة المناسبة للزراعة لتخدم أنشطة أخرى، وكأن تأمين الغذاء شيء ثانوي غير مهم.

يتحتم على الجهات المختصة بالزراعة أن تتحرك بالتوازي مع وزارة الصحة، فلا أحد يريد أن نصل لمرحلة عض أصابع الندم يوم لا ينفع ذلك، والمُخطِّطُ الاستراتيجي من يتوقع الأسوأ، ويبني عليه خططه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى