المقالات

هوود هوود وزارة العمل: متى تنهين طابور الباحثين عن العمل

بقلم : علي المجيني

في كل بيت عماني، هناك قصة متكررة، لا تُروى في الأخبار، لكنها تُحكى في نظرات الأمهات ، وفي صمت الآباء ، وفي انتظار الأبناء. قصة تبدأ بشاب أنهى تعليمه الجامعي، حمل شهادته كما يحمل المسافر جوازه، ووقف على بوابة الحياة العملية منتظرًا أن تُفتح له. لا يطلب المستحيل، فقط وظيفة تُعيد له شعوره بالجدوى، وتمنحه بداية لتأسيس بيت، وأسرة، ومستقبل.

ومع تعدد منصات التوظيف اصبح الشاب يفرغ وقته و جهده في كل لحظة بالبحث ، و يطرق كل باب لعله يفتح له لتحقيق حلمه ، وكل أسرة في حينه تُراهن على لحظة اتصال، على إشعار من تلك المنصات ، على خبر يُنهي الانتظار.
لكن الأيام تمر، والابن لا يزال في قائمة الباحثين، وكأن الشهادة كانت نهاية الطريق لا بدايته.
وبين طموح الأسرة وصمت الجهات المعنية، يتحول الأمل إلى طابور، والباحث عن عمل إلى خبير في الانتظار.

وبالمقابل ، هناك مهام عديدة رسمية لوزارة العمل اهمها : اقتراح السياسات والخطط الوطنية للتشغيل في القطاعين العام والخاص و تنظيم سوق العمل وضمان الاستخدام الأمثل للموارد البشرية ، كذلك الإعداد وتطوير برامج التدريب والتأهيل لرفع جاهزية الباحثين عن عمل ،و إدارة منصات التوظيف الوطنية المتعددة ، وتوفير فرص العمل عبرها ،و متابعة التوطين والإحلال في الوظائف التي يشغلها وافدون، خاصة في القطاع الخاص.

ومن الاهمية لتحقيق تلك السياسات وفقا لرؤية عمان ٢٠٤٠ ضرورة التمرير و الاسراع في دعم الاستراتيجية الوطنية للتشغيل والتي تركز على إيجاد حلول مستدامة لتوفير فرص عمل، وسد الفجوة المهارية عبر البرنامج الوطني للتشغيل، وتطوير سوق العمل وتحديث سياسات التعمين، وتأهيل الكوادر الوطنية لمواجهة تحديات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وتعزيز دور القطاع الخاص وريادة الأعمال، وتنمية مهارات المستقبل لتلبية متطلبات الاقتصاد المعرفي المتنوع.

كل الآمال معقودة على السياسات والخطط والبرامج أن تُنهي هذا الملف المؤرق الذي يثقل كاهل كل أسرة في المجتمع، وألا تزيد من تضخمه، لأنه بات يقلق أروقة الدولة وينعكس أثره على الحياة الاجتماعية والاقتصاد بشكل مباشر. ومن هنا تأتي أهمية المساهمة وإبداء الرأي الصريح الذي يضع تصورا ممكنا ﻻنهاء لهذا الملف المزمن .

غير أن الطرف الآخر من المشكلة يكمن في غياب الدقة في نشر البيانات الصحيحة المتعلقة بأعداد الباحثين عن عمل وفقًا لتخصصاتهم ومستوياتهم التعليمية وأعمارهم وجنسهم ومواقعهم الجغرافية، رغم أن هذه الأعداد مسجلة بشكل واضح في قواعد بيانات الوزارة ، و أن عدم الافصاح لهذه الأرقام له أسبابه المختلفة، و يفتح بالتالي بابًا واسعًا للتساؤل حول جدية المعالجة.

والأغرب أن بيانات دقيقة عن الشركات والمؤسسات حسب تصنيفها التجاري—عالمية، استشارية، ممتازة، أو مساهمة — وهي شركات كبرى و عديدة ، حيث أن كثيرًا منها يضم أكثر من ١٠٠٠ عامل وافد، بل يصل العدد في بعضها إلى أكثر من ٥٠٠٠ عامل، مع نسب تعمين متواضعة لا تتناسب مع حجم الطابور الطويل من العمانيين الباحثين عن عمل .
هؤلاء الباحثون يمتلكون شهادات جامعية متخصصة وخبرات تدريبية تؤهلهم للقيام بمعظم الأعمال المباشرة التي يؤديها العامل الوافد بنفس التخصص .

فالوضع اختلف عن السابق الذي انحصرت على مؤهلات بسيطة واغلبها في شهادات الدبلوم العام وما دون ذلك ، عندها نجحت الوزارة بالحاقهم في وظائف تتناسب معها ، و تطبيق سياسات التعمين لبعض المهن التي اثبتوا جدارتهم فيها ، فالوضع اليوم اختلف ، فزادت اعداد الباحثين المؤهلين و القادرين للاحلال عن الوافدين العاملين في وظائف اعلى ، و ليس في وظائف بسيطة .

فهل وزارة العمل تناست دورها واختصاصاتها التي تأسست من أجلها، أم أنها مصدومة بالواقع الحالي إلى درجة العجز عن إيجاد حلول تساعد في غلق هذا الملف .

ولعل الوقت قد حان لوضع السياسات المفعلة التي تساهم في خدمة هذا الملف و ابرزها سياسة الاحلال من خلال طرح خطة متكاملة لسياسة تطبيقها، بصيغة تنفيذية واضحة، تراعي التدرج الزمني، التوازن المالي، ودور وزارة العمل في المتابعة والتقييم .
هذا النموذج يصلح لتطبيقه وفق هذا التكامل بين اﻻركان المهمة في تلك العملية وهي : وزارة العمل ، وزارة الاقتصاد ، وزارة المالية ، جهاز اﻻستثمار ، وزارة الداخلية (المحافظات ) ، المركز الوطني للاحصاء و المعلومات ،و وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان ٢٠٤٠ وغيرها.

و سياسة الإحلال هي خارطة طريق لعملية توطين الوظائف في القطاع الحكومي و الخاص والهدف هو تمكين الكفاءات العُمانية المؤهلة من شغل نفس الوظائف التي يشغلها غير العمانيين، بطريقة تدريجية ومنظمة، تضمن جودة الأداء، وتحفّز القطاع الحكومي و الخاص، وتُقلّص طوابير الباحثين عن عمل .

ومن اﻻهمية ايضا ان يتم ادخال ملف المسرحين عن العمل و الذين انضموا الى ملف الباحثين الضخم ، فارتفعت اعدادهم بشكل واسع وهم فئة قد امضوا فترة طويلة و خاضوا تجارب عديدة و قادرة على القيام بالاعمال ، و لهم الاولوية في شغل الوظائف لكون ملفاتهم معسرة .

و بداية الخطة أن تقوم وزارة العمل في إجراء مسح شامل لسوق العمل لتحديد الوظائف التي يشغلها غير العمانيين في تخصصات مشابهة لمؤهلات الباحثين العمانيين ، وتخصيص التركيز على الشركات الكبرى فقط لهذه المرحلة في القطاع الخاص و ايضا القطاع الحكومي المتجذر فيه القوى الوافدة وتصنيفها حسب التخصص، والأهمية، وإمكانية الإحلال. و تحديد القطاعات ذات الأولوية .

كما يمكن للوزارة أن تنظر الى تجارب الدول مثل سنغافوره و الدول الإسكندنافية مثل النرويج والسويد والدنمارك في تطبيق سياسات الاحلال و التوطين للعمالة الوطنية ، مما ساهم في خفض معدلات البطالة إلى مستويات متدنية جدًا .

و هنا ﻻبد من اﻻهمية في أن يكون للحكومة دور في انجاح هذه الخطة والتعاون من خلال تقديم تخفيضات ضريبية للشركات الملتزمة باﻻحلال ، وتسهيل السبل لها ، و دعمها ، و اسناد المشاريع الحكومية الكبرى .

ويكون متابعة اداء التدريب في تلك الشركات عبر منصة إلكترونية تتبع وزارة العمل تُسجل ساعات التدريب،و مستوى الجاهزية، ونقاط التقييم .

مع الضرورة ان تقوم الحكومة ايضا من مساعدة شركات القطاع الخاص و القطاع الحكومي في تخصيص صندوق مالي وطني لدعم سياسة الاحلال لإعطاء مكافآت تدريب المسجلين في النظام مدة ستة اشهر قبل تثبيتهم في العمل واحلالهم بدل الوافد .

ولذلك تتحول سياسة الإحلال إلى مشروع وطني متكامل تتشارك فيه كل الجهات الحكومية والخاصة المعنية، يُنصف الجميع، ويُعيد التوازن لسوق العمل، ويُثبت أن التوطين ليس عبئًا، بل استثمارًا في الإنسان والوطن.

فمن اﻻجدر في حينها ان نصفق لوزارة العمل للقيام بهذه الخطة التكاملية و التي مكنها من أنهاء تلك الطوابير التي اثقلت من كاهل المجتمع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى