أخبار محلية

الشهادات المزورة بين الدرجة والجريمة

وهج الخليج-مسقط

تحقيق: خالد الدرعي ، أحمد الغساني ، عزان البادي ، حميد الهنائي ، محمد العزواني

في رحلة البحث عن العلم والتسلح بالخبرات والمعرفة، تتعدد الغايات وتسمو الأهداف لنيل أعلى الدرجات للارتقاء بالذات أولاً، ولخدمة البشرية جميعها في كل جانب من جوانب التنمية التي يشهدها العالم بصورة مضطردة وبسرعة كونية لم يسبق لها مثيل من قبل. أو من أجل الهروب من ظروف الصعبة التي تعسفهم بها الحياه فقرروا البحث عن عمل طمعاً في كسب الرزق ولكن دون فائدة، فوجدوا انفسهم أمام عقبة الشهادات الدراسية الموثقة من أجل الحصول على هذه الوظائف، وبدلاً من البحث عن وظيفة تتفق ومؤهلاتهم قرروا التحايل على القوانين عن طريق تزوير شهادات دراسية وعلمية للحصول على عمل لا يستحقونه، وهو ما اكتشفته الجهات المعنية فالبعض وجدوا أنفسهم بلا عمل والبعض الآخر لا يزال على راس عمله.
وشغلت قضية الشهادات المزورة الرأي العام خلال الفترة الماضية في سلطنة عمان، عقب الكشف عن شهادات وهمية في مواقع حساسة وانكشاف أمر الكثير من الجامعات التي تورط أشخاص فيها في تسهيل الحصول على هذه الشهادات بالإضافة إلى المنظمات التي دشنت مواقع إلكترونية يبدو أنها تنتمي إلى جامعات حقيقية تتوفر فيها التخصصات الأكاديمية المختلفة وتمنح درجات من البكالوريوس إلى الدكتوراه والتي غالبا يقبل بعض الأشخاص على شرائها للانخراط في سوق العمل أو يستعين بها رجال أعمال وسياسيون تعزيزًا لمكانتهم الاجتماعية. واختلفت الأسعار بحسب الرتبة العلمية والتخصص المختار في الحقل الأكاديمي الذي سيتخرج منه الشخص “افتراضيًا“، فيما اتخذت الجهات المختصة عدة إجراءات لإحالة العديد من الوقائع للتحقيق وسط تعهدات بملاحقة المزورين وحظر الجامعات المزورة، كما تباينت ردود الأفعال حول القضية، بين الترحيب بجهود الجهات الرسمية لمواجهة عمليات التزوير وبين التشكيك في قدرتها على إتمام المهمة وتحميل المسؤولين المختصين مسؤولية خاصة في ظل تسجيل الشهادات العليا في السجل الحكومي التابع للوزارات المسؤولة عن التعليم والتعليم العالي.
سنحاول في التحقيق الآتي في هذا الموضوع على بعض جوانب، فربما نخرج ببعض وجهات النظر والرؤى المجتمعية التي تقلص حجم تزايده.

الاحصائيات
صرح محمد العتبي مدير مكتب تصديق الشهادات بوزارة الخارجية أن الشهادات المزورة تتأتي من خارج سلطنة عمان وتعتبر كلا من بنجلاديش وباكستان والهند هي أكثر الدول التي تأتي منها هذه الشهادات المزورة. ويعتبر تخصص الهندسة المدنية هو أكثر التخصصات الذي تأتي منه الشهادات المزورة. كما أكد أن سلطنة عمان قامت بالسيطرة على مختلف مؤسسات التعليم العالي في عدم إصدارها للشهادات المزورة.
وأكد النصر بن ناصر الرقيشي المدير المساعد لدائرة معادلة المؤهلات بوزارة التعليم العالي أن الوزارة أحصت ما يقارب 1250 حالة تزوير منها (108) حالات تزوير لمؤهل دراسي، و(25) مؤهلا دراسيا صادرا عن مؤسسة وهمية و(1117) ختما مزورة خلال الفترة من (1975-2018م).
‏كما قامت إدارة التحريات والتحقيقات الجنائية بقيادة شرطة أمن منشآت النفط والغاز بضبط أشخاص آسيويين بتهمة تزوير شهادات تدريبية وتصاريح عمل في مناطق الامتياز، وجاري اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
وقد وضعت سلطنة عمان 39 جامعة مزيفة معظمها أمريكية على القائمة السوداء بعد تلقيها مئات الشهادات الصادرة عن تلك الجامعات لتصديقها من أجل العمل في السلطنة. حيث كشفت وزارة التربية والتعليم أن هذه الجامعات مسجلة على الإنترنت فقط وليس لها تواجد حقيقي وأن 26 منها مسجلة على أنها جامعات أمريكية، فيما تم اكتشاف 7 جامعات مسجلة على أنها هندية والبقية في دول أخرى.
وكشف موافق فواز الرويلي ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي، وصاحب #هلكوني للكشف عن أصحاب الشهادات المزورة أن طارق البلوشي مدير الموارد البشرية في شركة ناشيونال اويل ول فاركو قد حصل على شهادة علمية من جامعة ريفروود الوهمية.
وأكد الأكاديمي العماني والعميد السابق في جامعة السلطان قابوس، البروفيسور حيدر اللواتي في تغريده له عبر صفحته الرسمية بتويتر، أن التستر على أصحاب الشهادات الوهمية والمزورة يمثل إساءة كبيرة لعُمان وشعبها.
وتابع موضحا وداعيا للإبلاغ عن أصحاب هذه الشهادات: ”وهناك درجات علمية ومراتب اكاديمية مزورة، فمن عرف اصحابها عن حقائق وأدلة وتستر عليهم وسكت عنهم فهو لا يقل في إساءته لوطنه ولشبابه عن المتسترين على الشهادات الوهمية!”

الاسباب
أحد أبرز أسباب وجود الشهادات المزورة والوهمية وتغلغلها داخل أي مجتمع بمختلف تكويناته وقطاعاته المؤسساتية هو وجود بعض الثغرات بالمؤسسات المعنية بشأن معادلة وتصديق المؤهلات العلمية، والتي اُستغلت من قبل هؤلاء الأشخاص للوصول بأمان إلى مراكزهم الوظيفية وممارستهم لأعمالهم وفشلهم في آن واحد.
أما السبب الآخر فهو نفسيٌ بحت، فالشخص الذي تسول له نفسه الإقدام لمثل هذه الأفعال وإضفاء الصفة الشرعية والطبيعية لها من أجل الوصول لمنصب معين أو البحث عن الوجاهة بالمجتمع أو أي هدف زائف، هو شخص يحتاج لجلسات مكثفة في تعديل السلوك من الانحراف الفكري، ولابد له من الردع القوي قانونياً قبل أن يفسد ما أصلحه العلم ويهدر ما لا يمكن أن يعود من موارد بشرية وطبيعية بكل ما تحويه من مكنونات.
مهما تعددت الأسباب والطرق في كيفية التحايل للحصول على الشهادات المزورة، يبقى أن خطر هذا الفعل كارثي وله نتائج سلبية طويلة المدى ستفرز أخطاء جسيمة تتطلب معالجتها ضخ الكثير من الموارد واستنزافها من أجل تخطيها، وأحياناً تكون الأخطاء قاتلة إذا ما وجدت هذه الشهادات داخل المؤسسات المعنية بحياة الإنسان وصحته والحياة على الأرض بشكل عام.
هل ساهمت ظاهرة تزوير الشهادات في زيادة اعداد الباحثين عن عمل؟؟!!
وفي هذا الجانب قال أحمد الجابري خريج كلية التقنية بالمصنعة: إن ظاهرة الشهادات العلمية المزورة والتي بدأت بالانتشار في الآونة الأخيرة في السوق العماني لهي ظاهرة خطيرة جداً والتي تؤدي إلى فساد إداري كبير في مختلف المجالات والوظائف، حيث سيشغل هؤلاء الأشخاص مناصب هم غير مؤهلين لها وسيترتب على ذلك سوء الإدارة والتخطيط مما سيؤدي إلى تدني مستوى تلك المؤسسة بمختلف أقسامها الإدارية والمالية.
وأضاف الجابري: إن أصحاب الشهادات المزورة دائماً ما يسعون لتدمير وتثبيط من هم ذو خبرة إدارية حقيقية وأصحاب المواهب والأفكار حتى لا يطغى عليهم ويحل مكانهم، فهم دائماً محل تثبيط وتدمير، ويجب على المؤسسات الحكومية المختصة أن تضع قوانين صارمة وتدقيق كبير على الشهادات الصادرة من خارج الدولة.
أما سهام السعدية خريجة جامعة السلطان قابوس تخصص علم مكتبات فقالت: يعتلي منصبًا ليس له الحق فيه، فما ذنب المريض به إن كان طبيبًا وما ذنب صاحب البيت إن كان مهندسًا، وما ذنب الطلبة إن كان معلمًا، وما ذنب المواطنين إن كان مسؤولًا عنهم، فليهنأ بمنصبه في الدنيا وعند الله تجتمع الخصوم.

أما صبحاء الصوافية، تخصص لغة عربية، فترى من وجهة نظرها أن المزور يُعد مجرماً، فهو سرق حق غيره وسرق جهد وتعب غيره وزور شهادة بدون علم من الممكن أن تتسبب في الأذى بالآخرين إلى أن تصل أحيانا للقتل كحال تزوير شهادة الطب مثلا.

الاجراءات القانونية
قالت المحامية مروة المسكرية بأن الشهادات الوهمية أو المزورة تعتبر جريمة لا أخلاقية في المقام الأول وجريمة قانونية بالطبع ويعاقب عليها القانون بحيث أنها تعد تزوير في المهنة والشهادة أيضا، ولها عقوبة قانونية بحكم جريمة التزوير حسب القانون العماني، فالمواد القانونية من المادة رقم (181) إلى المادة رقم (188) من قانون الجزاء العماني نصت كلها صراحةً على تجريم هذا الفعل وتفاوتت العقوبات بحسب الوقائع التي تثبت تورطها بالتزوير، لأن الشخص بفعل هذا الأمر قد يضر المجتمع أكثر من ضرره بنفسه فقط.
كما نصت المادة 190 من القانون الجزاء العماني على انه يجرم كل من ينتحل لقبا علميا أو جامعيا معترف به رسميا في الدولة بعقوبة تصل إلى السجن لمدة سنة، والغرامة حتى ثلاثمائة ريال عماني.
اتفاقية لاهاي او اتفاقية الغاء شرط التصديق القنصلي ووضعت في عام 1961 وتضمنت على ان هنالك ختم يسمى بختم الابوستيل وهذا ختم دولي سهل من عملية التصديق في مكان واحد وباختصار لعدة أماكن وهي وزارة الخارجية في الدولتين سلطنة عمان في تلك الدولة ووزارة تلك الدولة في سلطنة عمان ‬
وكان هدف اتفاقية الابوستيل هو تسهيل إجراءات التصديق وكذلك م اجل مشاركة عدة دول فيها وتم اعتمادها في سلطنة عمان بموجب المرسوم السلطاني 47/2009 وهنالك ما يعرف بالرقم التسلسلي (السيريل نمبر) في ختم الابوستيل وهو الذي يتم من خلاله الكشف عن التزوير في نوع الختم من عدمه، وكذلك من خلال ختم التصديق وختم الطابع يتم الكشف عن مدى احتواء الشهادة على التزوير من عدمه.‬
كما أصدر مركز التواصل الحكومي تعميما لكافة الجهات المعنية:
– ضرورة الالتزام بالتصديق ومعادلة الشهادات الدراسية الصادرة من خارج السلطنة من قبل وزارة التعليم العالي.
– إلزام كل شخص بإرفاق كافة الوثائق والمستندات المعتمدة والمصدقة عند تسجيل أي طلب يتعلق بتحديث بياناته وإلا يعد الطلب غير مستوفي.
– توقيع صاحب الطلب على تعهد بتحمل الاجراءات القانونية المترتبة على تقديم وثائق أو مستندات غير معتمدة أو غير مصدقة.
– أهمية التفاعل مع ما يتم نشره في منصات التواصل الاجتماعي حول الشهادات العلمية الصادرة من جامعات وهمية بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي، وتوضيح الاجراءات التي اتخذت بحق كل من يثبت حصوله على تلك الشهادات.

الحلول
لماذا لا تقوم وزارة التعليم العالي بامتلاك قاعدة بيانات لمختلف الجامعات الحقيقة في العالم بحيث يمكن الرجوع لهذه البيانات للتحقق من صحة وجود هذه الجامعة على أرض الواقع؟
وفي هذا الصدد، قال مشعل المقبالي متخصص في أمن المعلومات بأن وجود برنامج أو نظام دولي للشهادات سيساهم بالفعل في تقليل عدد حالات الشهادات المزورة أو الوهمية كفكرة أراها جميلة وسهلة التطبيق لو تم التنسيق بين الدول أو تبنت هذه الفكرة منظمة دولية كمنظمة الأمم المتحدة للعلم والتربية والثقافة “اليونسكو” على أن تفصح كل دولة عن جامعاتها و أسماء المتخرجين سنويا للمنظمة ويسجل ذلك في قاعدة بيانات دولية معتمدة لتقليل عدد الحالات المكتشفة للشهادات الوهمية في العالم أو تجفيف منابعها من الأساس.
ومما لا شك فيه أن تزوير الشهادات آفة تعاني منها الدول ولكبح جماح المنتحلين لابد من تعاون دولي لتذليل الصعاب ومنح المزيد من الفعالية للمؤسسات الحكومية لكشف كل من ينتحل شهادة وهمية، التعاون الدولي في هذا المجال لو تم سيزيد من جودة التعليم وسيساهم في رفع مستوى وكفاءة الخدمات أو المنتجات في العالم وكل ما يرتبط بالعلم والمعرفة.
أصدرت لجنة الاعتراف بمؤسسات التعليم العالي غير العمانية ومعادلة المؤهلات الدراسية عدم الاعتراف وعدم اعتماد البرامج الدراسية بينما قررت اللجنة عدم اعتماد برنامج International (EMPS) in Emergency & Disaster Management بمؤسسة التعليم العالي Georgetown University بالولايات المتحدة الامريكية المطروح بنظام التعلم عن بعد؛ كونه برنامج مهني تدريبي ولا يقع ضمن اختصاصات الوزارة، وعدم اعتماد برنامج الدكتوراه في إدارة الاعمال (DBA) بمؤسسة التعليم العالي UCSI University بماليزيا.
وعدم ادراج مؤسسة التعليم العالي ( Asia Metropolitan University )ضمن قائمة مؤسسات التعليم العالي الموصى بالدراسة بها بماليزيا؛ لعدم حصولها على تقييم ممتاز من قبل جهات التقييم بوزارة التعليم العالي الماليزية ( Setara)، وعدم إدراج مؤسسة التعليم العالي University Malaysia of Computer Science & Engineering ضمن قائمة مؤسسات التعليم العالي الموصى بالدراسة بها بماليزيا كونها غير حاصلة على أي تصنيف من قبل جهات التقييم بوزارة التعليم العالي الماليزية ( Setara)، وعدم إدراج Tianjin Maritime College بجمهورية الصين الشعبية ضمن قائمة مؤسسات التعليم العالي الموصى بالدراسة بها من قبل الوزارة، وذلك لأن الشهادات الصادرة منها شهادات مهنية فقط، وتدني مستواها في التصنيفات العالمية.
بالإضافة إلى عدم إدراج مؤسسة التعليم العالي Ted University بتركيا، ومؤسسة التعليم العالي University Islam Sultan Sharif Ali (UNISSA) بسلطنة بروناي دار السلام، و مؤسسة التعليم العالي Brunei Polytechnic بسلطنة بروناي دار السلام ضمن قائمة مؤسسات التعليم العالي الموصى بالدراسة بها من قبل الوزارة، نظرا لتدني مستوياتها في التصنيفات العالمية.
وعدم إدراج مؤسسة التعليم العالي Pima Medical Institute بالولايات المتحدة الامريكية ضمن قائمة مؤسسات التعليم العالي الموصى بالدراسة بها من قبل الوزارة، كونها تصدر شهادات مهنية فقط ليست من اختصاص الوزارة.
كما قررت اللجنة وقف التعامل مع كلية الملكة نور الفنية للطيران المدني و أكاديمية الطيران الملكية الأردنية بالمملكة الأردنية الهاشمية، وذلك كون المؤسستين تقدمان برامج مهنية ليست من اختصاص الوزارة، كما أن برنامج البكالوريوس المطروح من أكاديمية الطيران الملكية الأردنية في صيانة الطائرات بالارتباط مع جامعة عمان العربية لم يحصل على الاعتماد النهائي من الجهات المختصة بالأردن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى