المقالات

أولويات غير مرتبة

بقلم:بدرية البدري

في نوفمبر 2017م، وفي جلسة غير علنية لمجلس الشورى مع معالي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية، تم الإفصاح عن نتائجها لاحقاً في الصحف المحلية، تم التأكيد على ضرورة ترقية دفعتي 2010و2011م، مع بيان إصرار اللجنة الاقتصادية وجميع أعضاء المجلس، خاصة أن ميزانية 2018 حملت مؤشرات إيجابية، كما أوضح المجلس أن هذه النفقات سيكون لها الأثر الإيجابي لرفع الطلب الكلي مما سينعكس إيجاباً على الناتج المحلي الإجمالي، بمعنى أن الموازنة التي تُنفق على الموظفين، وأداء حقوقهم، هي مصروفات تعود بالدخل لميزانية الدولة أيضاً، مع ما سيرافقها من رضا وظيفي وزيادة للإنتاجية.
هذا الطلب وجد قبولاً مبدئياً من معالي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية، ولكنه وجّه إلى ضرورة الرجوع إلى مجلس الوزراء الموقر لأخذ الموافقة النهائية، وهذا القبول يعني أن هذه الترقيات لن تكون عبئاً على ميزانية الدولة، ولكن هناك أولويات قد يراها مجلس الوزراء، لا يراها وزير المالية، ولا من هم في وزارته.
في أكتوبر 2018م، أي بعد أحد عشر شهراً من هذه الجلسة، لم يتمكن خلالها مجلس الشورى من إقناع مجلس الدولة بضرورة ترقية الدفعتين المذكورتين أعلاه، صدرت أوامر سامية بترقية دفعة 2010؛ ليُعاد ترتيب الأولويات للميزانية، وتصبح ترقية هذه الدفعة من أولوياتها، ولأن المنحة اختصّت دفعة 2010؛ فإن دفعة 2011 لم تنل نصيبها، رغم أن مجلس الشورى أوضح سابقاً أن ميزانية البلاد تسمح بترقية الدفعتين.
في التصريح ذاته، ذكر سعادة الدكتور صالح الكثيري – رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى – أن تكلفة ترقيات دفعة 2010 تبلغ 60 مليوناً، والمبلغ ذاته لدفعة 2011؛ ليطرح السؤال نفسه:
إن كان هناك 15 مليوناً خرجت من ميزانية الدولة كما تخرج الشعرة من العجين، دون أن ينتبه لها أحد إلا بعد مضي ما يقارب السنوات الثلاث على الاختلاسات المستمرة.
هذا الـ 15 مليوناً تعني ربع ميزانية ترقية دفعة 2011م، التي لم تزل بذات الدرجة منذ العام 2011م، ولا أدري هل يجب أن أذكر أنه حتى هذا العام وجبت ترقية دفعات 2012و2013و2014م؟ مما يزيد المشكلة تعقيدا في ظل عدم وجود رؤية واضحة أو جدول زمني لترقية هذه الدفعات.
15 مليوناً، لم توجّه لرفد اقتصاد البلد، ولا لزيادة إنتاجية موظفيه، ولا لدعم الناتج المحلي، بل إنها ولّدت إحباطاً، وسُخطاً شعبياً، وعبئاً يُضاف على أولئك الذين لم ينالوا أبسط حقوقهم، وبدلاً من رفع الإنتاجية، كان هناك خفض لها.
15 مليوناً، ليست الأولى في ملف الاختلاسات، ولا يمكننا الجزم بأنها ستكون الأخيرة، وربما تنتهي حكايتها بصمت، كما مضت غيرها من قبلها.
هذه الـ 15 مليوناً تُعيد فتح أبواب التساؤل من جديد عن أولويات وزارة المالية في توزيع الميزانية العامة للدولة:
* هل حقاً يتم توزيع الميزانية وفق حسابات شديدة ومعقدة، باعتماد مبدأ الدقة، بحيث يتم معرفة أي انحراف في البيانات المتوقعة والبيانات الحقيقية؛ لتجنب إعادة تقدير الميزانية نتيجة أي خطأ تقديري، كما أن هذا المبدأ يُسهِّل كشف أي تلاعب أو اختلاس في الميزانية، خاصة إن كانت واضحة و(مُفصّلة) وليست عامة.
* هل الصرف على الحجر الأصم أهم من الصرف على الإنسان، وهو باني الحجر وحاميه، وهل بناء الوطن يتأتى ببناء جدرانه أم بَنيه؛ لنجد مبلغاً يزيد على الخمسة والأربعين مليوناً تُصرف لبناء سد الحماية في منطقة الجفين؛ فهل السد يعد الآن – في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة – من الأولويات التي تتعدى صرف الترقيات المستحقة لدفعة تأخرت ترقياتها أكثر من ثلاث سنوات؟!
وهل هذا السد أهم من إنشاء مشروع يوفر ولو فرصة عمل واحدة لشبابٍ أُفني بحثاً عن فرصةٍ واحدةٍ لحياةٍ مُستحَقة.
أخيراً..
لو تم جمع مبلغ الخمسة عشر مليوناً – الواردة في قضية الاختلاسات – مع الخمسة والأربعين مليونا المخصصة لبناء السد المذكور أعلاه، لتبيّن أن ترقية دفعة 2011، والدفعات اللاحقة ليست بالأمر المستحيل، ولا الصعب، كل ما نحتاج إليه عقلاً يحسبها بالآلة الحاسبة، لا بأصابع يده، خشية وجود إصبعٍ زائدٍ في اليد اليسرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى