المقالات

من ضحية الى جلاد

بقلم:إبراهيم عطا

– اسمك؟
– ابراهيم عطا
– عمرك؟
– ١٧ سنة
– “من وين انت”؟
– من صيدا، ساكن بمطقة التعمير بجانب عين الحلوة ولكني مولود بمخيم البرج الشمالي شرق مدينة صور.
– لا لا، انا اقصد من اي بلدة بفلسطين انت؟
استغربت ان يسالني الضابط الاسرائيلي وبلغة عربية واضحة عن بلدتي في فلسطين التي احتلوها وحولوها الى دولة لهم وطالما اعتبروا ان لا وجود لفلسطين او لشعبها وطالبونا بان ننساها..
– من قرية لوبية قضاء طبريا، اجبته بتردد وفكرت بيني وبين نفسي ان اساله عن اصله ومن اي بلد اوروبي جاء، ولكني تراجعت عندما شاهدت الدهشة في عينيه الملونتين…
– من لوبية القريبة من قرية الشجرة؟ انت عارف انه اعز اصحابي قتلوا بمعركة الشجرة…
وقبل ان يكمل كلامه صار ينادي بالعبرية عل ضباط اسرائيليين اخرين كانوا خارج الخيمة التي حولها الاحتلال الى مكان للتحقيق داخل معتقل انصار، وصار يخبرهم اني من قرية الشجرة، ثم اكمل:
– جدودك كانوا شجعان و اشداء شرسين وقد قتلوا الكثير ممن اعرفهم في تلك المعركة..
عندها احسست ببعض الخوف من ردة فعله معتقدا انه سينتقم مني لان اهلي قتلوا عددا كبيرا من افراد العصابات الصهيونية التي هاجمت قرانا الفلسطينية الصغيرة…ولكني فوجئت به وهو يتناول قطعة من الحلوى “البسكويت” من على الطاولة ويقدمها لي، وقد لاحظ الاستغراب في عيوني والتردد على ملامحي وكانه قرأ ما يدور في ذهني من شك من ان الحلوى قد تكون مسمومة، فاخذ قطعة منها و اكلها على الفور ثم مد يده بقطعة اخرى وقال لي “تفضل”، فاخذتها والافكار تدور في راسي حول كلامه الهادىء ومعاملته التي لم نعتدها منذ وصولنا الى معتقل انصار في جنوب لبنان قبل بضعة اشهر والذي تم نقلنا اليه بعد قضاء بضعة ايام في معتقل مرج ابن عامر في فلسطين المحتلة…
– هل تعرضت للضرب او الاذى او اي شيء غير عادي من قبل الجنود الاسرائيليين؟
– قليل من الركلات عند وصولنا واللكمات على اليدين خاصة عند قص الشريط المثبت على ايدينا، قلت له ذلك باختصار محاولا التخفيف مما فعله الجنود بنا، وكاني ارد له الجميل على معاملته معي، بالرغم من الكثير من الصور السلبية التي كانت تدور في راسي، منها صورة الجنود الصهاينة الذين رايتهم من نافذة الحافلة الاسرائيلية وهم يتعاركون على بعض السلاسل والخواتم الذهبية التي اخذوها من المعتقلين، وصورة الضرب المميت الذي تعرض له بعض المرضى في المعتقل لمجرد انهم طالبوا بادوية وعلاج لمرضهم…
بعدها نظر الى جانبه ووضع يده على كتفه الايسر ملامسا شارة الرتبة العسكرية التي كانت على بدلته وصمت صمتا مطولا وكانه ذهب الى عالم اخر..
بقي صامتا لثواني وربما لدقائق وانا انتظر سؤاله التالي كي ينهي التحقيق واعود الى خيمتي رقم ٢٦ ، فصرت اتساءل حول ما يفكر به، ربما تذكر معاناة اهله في بلده الاصلي بولونيا، وربما تذكر ما حل بهم بعد ان اعتقل الجنود النازيون والده الذي قضى في معتقل شفايتز، وما عانته والدته بعد ذلك معه هو واخوته في تلك البلدة الصغيرة جنبوب العاصمة فرصوفيا من حصار وجوع وخوف قبل ان يهاجروا الى فلسطين بمساعدة خال له دفع مبالغ طائلة لاحد المهربين اليهود كي يوصلهم الى المانيا حيث سافروا بالسفينة من ميناء هامبورغ الالماني الى ميناء حيفا الفلسطيني.
اين اعتقلوك؟ عاد ليسالني بشكل مفاجيء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى