عمانيات

تراجع إسهام العرب في البحث العلمي

وهج الخليج-مسقط

كتب:مازن البطاشي

يعتبر البحث العلمي من أبرز العناصر المهمة لتحقيق التقدم والنمو للمجتمعات بصورة عامة فهو المحرك الأول للتنمية والتقدم العلمي والتكنلوجي. فقد شهد العالم تطوراً سريعاً وهائلاً في العلوم والتكنلوجيا في شتى فروع العلم والمعرفة. لذا أصبحت الحاجة للبحوث العلمية أكبر بالنظر للتقدم الواسع في مجالات الحياة المختلفة وما صاحبه من تغير في نمط الحياة البشرية. فأصبح البحث العلمي أكثر أهمية لما يعكسه من نتائج على حياة المجتمعات ومتطلباتها. فأول ما تسعى المجتمعات العلمية إلى امتلاكه هو البحث العلمي وذلك لتوظيفه في التنمية والتطور.

واقع البحث العلمي في الوطن العربي
إن البحث العلمي والتطور التكنلوجي والصناعي يعتمدان على مدى قدرة الإنسان ومستواه العلمي في إدراك وفهم التكنلوجيا بصورة تساعده في استغلالها بصورة مثالية. ولكن في الوطن العربي يُعتمد بشكل كبير على التكنلوجيا والتطورات التي تقدمها الدول الغربية في هذا المجال. ويظهر ذلك من خلال أخذ العرب للتكنلوجيا والآلات الحديثة من الدول المتطورة (الدول الغربية) وعملوا على استخدام تلك المعدات دون المحاولة في دراسة وفهم تلك التكنلوجيا أو محاولة تطويرها. لذا يظل الإنسان العربي تحت رحمة الدول الغربية واكتشافاتها التكنلوجية.
ففي حقيقة الأمر أن الدول العربية لا تشجع البحث العلمي ولا تعتمد عليه في التنمية الوطنية. هذا ويظل واقع البحث العلمي في بلادنا العربية مهمش لدرجة كبيرة. إن البحث العلمي في الوطن العربي يقتصر على مراكز الأبحاث الحكومية وهناك إختفاء شبه تام لدور القطاع الصناعي ومؤسساته في توفير بيئة خصبة للبحث العلمي.
ولنضع النقاط على الحروف، يجب الإشارة إلى أن في الدول العربية تشترك عوامل كثيرة في تفاقم مشكلة البحث العلمي في البلاد العربية، ومنها:
1- إنخفاض حجم الإنفاق على الأبحاث العلمية.
2- عدم وجود سياسة وطنية واضحة للبحث العلمي العربي.
3- النشر العلمي والتقييم.

أولا: إنخفاض الإنفاق في البحث العلمي العربي
هناك فجوة كبيرة بين ما تنفقه الدول الغربية وما ينفقه العرب في البحث العلمي. حيث أن ما ينفق في البحث العلمي في الدول العربية كاملة لا يفوق 200 مليون دولار. بمعنى أنه يمثل 170:1 مما تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال.
فالبحث العلمي كما يعلم الجميع يحتاج إلى بيئة مساعدة من خلال توفير مخصصات مالية للباحثين للقيام بالدراسات المختلفة. فالإنفاق على البحوث العلمية إنما هو إستثمار ناجح يسهم بصورة كبيرة في تحسين دخل الدولة من خلال الإستعمال الأمثل للمصادر المتوفرة.
ونتيجة لضعف الإنفاق على البحث العلمي في الوطن العربي بالرغم من توفر الإمكانيات المادية الكبيرة كانت المحصلة كالتالي:
– ضعف مستوى البحث العلمي العربي
– قلة البحوث وإنعدام شبه تام لمساهمتها في التنمية
– هجرة أصحاب الفكر والبحث إلى البلدان الغربية

ثانيا: عدم وجود سياسة وطنية واضحة للبحث العلمي العربي
الباحثون والأكاديميون والمتخصصون العرب جميعهم مطالبون بإجراء البحوث والمشاريع العلمية كجزء من واجباتهم الوظيفية. فالترقيات العلمية للأكاديميين والموظفين في شتى المؤسسات في البلدان العربية تعتمد على ما يقدموه من بحوث علمية ذات أثر كبير وعملية نشرها باللغة الإنجليزية.
وهناك ضرورة لوجود سياسة وطنية واضحة يسترشد بها الباحثون وينتقوا على إثرها البحوث العلمية التي تسهم في التنمية العربية. كذلك هذه السياسة يجب أن تعطي تنسيقاً واضحاً، وأن تشمل تكاملاً لدور أجهزة البحوث العلمية المختلفة وذلك لأنه من الواضح أن أغلب الجهات تعمل بانعزالية عن الأخرى وينتج عن ذلك أبحاث مبعثرة وغير مركزة ولا تفي بالفائدة المرجوة منها. لذا عند غياب السياسات الوطنية الواضحة نجد أن البحوث العلمية تتسم بالفردية ولا وجود للجماعية عند إجراءها.
فالأبحاث الجماعية تشد أنظار المجتمع تجاهها وتتضاعف الجهود حولها وتتحد الأفكار عندها لذا تكون ذات أهمية أكبر وأوسع وتنتج عن أفكارها وأهدافها نتائج أكبر وأفضل.

ثالثا: النشر العلمي والتقييم
إن البحث العلمي العربي مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالمؤسسات البحثية المتخصصة. فمعظم الباحثين العرب لهم إتصال مباشر بالجامعات في بلداننا العربية ومن هذا المنظور فإن أكثر الباحثين ينشرون أبحاثهم مقابل الحصول على الترقية الوظيفية. لذا يتجهون لنشر أبحاثهم العلمية باللغة الأجنبية. فأي باحث يسعى لنشر نتائج بحثه ليستفيد منه أكبر قدر من القراء وليحصل على قدر كبير من الإستشهادات المرجعية.
فالجهة المقابلة يصطدم الباحث الجديد بأن أغلب المجلات العلمية محكمة لا تنشر إلا بحوث تتميز بالفكر الجديد والأمانة العلمية والمصداقية في إظهار الحقائق العلمية لتكون هذه الأبحاث ذات أثر وإضافة جيدة في المعرفة العلمية.
البحث العلمي العربي يواجه مشكلة كبيرة تتمثل في عدم وجود مجلات متخصصة محكمة أو أنه في بعض الأحيان يأخذ التحكيم العلمي وقت طويل بحجة المراجعة العلمية. هذا كله يؤثر في نفسية الباحثين ويجعلهم يتجهون للنشر في مجلات علمية خارجية (أجنبية) حيث دقة وجودة التحكيم والإمتيازات التي لا حدود لها.

هذا ويتضح مما ذُكر سلفا أن البحث العلمي في الوطن العربي لا يزال ضعيفا مقارنة بالبحث العلمي في البلدان الغربية وذلك لمجموعة من الأسباب ولعل أبرزها: إنخفاض حجم الإنفاق على البحث العلمي وعدم وجود سياسة وطنية واضحة للبحث العلمي العربي وكذلك ما يتعلق بموضوع النشر في المجلات والدوريات العلمية. لذا لابد أن تعمل الحكومات العربية على توحيد الجهود وتعزيزها لإيجاد بيئة مناسبة ليكون للبحث العلمي العربي أثر في عملية التنمية وينظم سيرها. إن تطور البحث العلمي سيسهم إيجابا في نمو الاقتصاد المحلي للدول العربية ويعزز من مكانتها بين الدول المتقدمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى