عمانيات

ما هي حقوق الطفل في سلطنة عمان؟

وهج الخليج-مسقط

الحوار: ايمان الغسانية

1) في البداية حدثني عن نقطة انطلاقك في مسار شؤون الطفل؟
في الحقيقة، أجد صعوبة في تحديد نقطة انطلاقي في مسار شؤون الطفل، والصعوبة تكمن في تشابك الخلفيات التي ساعدت في تبلور الاهتمام بشكل واضح. وقد تكون لعوامل التنشئة الاجتماعية التي مر بها جيلنا دوراً مهماً في ذلك.

فجيل الستينيات من القرن الماضي أعتمد في نشأته على ما وفرته البيئتين الاسرية والمدرسية، من تربية وتعليم وثقافة، حيث لعبتا هاتان المؤسستان الدور الأمثل في تطوير قدراته وامكانياته وتنشئته. وربما تداخلت مرحلة الطفولة في زماننا مع مراحل أخرى، نظرا للظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي لم تتح الحصول على عديد من الإمكانيات التي توافرت او تتوافر لدى أجيال لاحقة.

ويمكن القول ان الاعتماد على الذات، وما أتاحه المجتمع من فرص، لعب ايضاً دورا مكملاً في تشكُل وعينا وذاتنا، كما ان إسهاماتنا في الأنشطة المدرسية المختلفة، ولاحقا انخراطنا في البرامج الاجتماعية للمؤسسات الثقافية والاجتماعية، مكننا من معرفة قدراتنا واهتماماتنا. هذه الخلفية ساعدتني في اختيار مجالات اهتماماتي مستقبلاً، والتي تركزت في المجالين الاجتماعي والثقافي.

ولعبت الدراسة الجامعية في المانياً دوراً مهماً في بداية الثمانينيات، حيث كان لمجال العلم والتخصص الذي درسته، وهو علم النفس الاجتماعي، العامل الأساس في تعزيز اختياري وانحيازي للطفل، والبحث في نظرياته ومجالات اهتماماته، وبالتالي البحث في مشكلاته كالإعاقة، والعنف، والانتماء والهوية.. وغيرها من العوامل المرتبطة به، كالأسرة والفقر، والمرض، والحروب والنزاعات المسلحة… الخ.
ومع إقرار اتفاقية حقوق الطفل في عام 1989، بدأ اهتمامي بالمدخل الحقوقي لكفالة حقوق الطفل في اليمن. ولعب عملي لاحقاً في إدارة الطفل بجامعة الدول العربية كخبير، في توسع مجال بحثي لإعمال حقوق الطفل في العالم العربي. كما ان عملي ايضاً في مرحلة أخرى بالمجلس العربي للطفولة والتنمية، كمدير لبرامج تنمية الطفولة ومدير تحرير مجلة الطفولة والتنمية، ساعدني في تطوير مجالات عملي في قضايا الطفولة وبرامجها.

2) ما هي طبيعة عملك في وزارة التنمية الاجتماعية؟
التسمية الوظيفية لي في الوزارة هي خبير شؤون الطفولة، ومع ان التسمية تركز العمل في شؤون الطفولة، الا ان عملي يمتد في إطار المديرية العامة للتنمية الاسرية، ليشمل مجالات تتعلق بالأسرة والمرأة وما يرتبط بهما من برامج وانشطة. كما انني أشارك على مستوى الوزارة، في عدد من المجالات المرتبطة بالتنمية الاجتماعية، وحقوق الانسان، واتفاقيات حقوق الانسان المرتبطة بعمل الوزارة، والبرامج الاجتماعية والتنموية للمنظمات الدولية والإقليمية والعربية والخليجية ذوات الصلة بالطفل والمرأة والاسرة.

ويتوزع عملي بين الاستشارات، والمشاركة في اعداد الاستراتيجيات والخطط والبرامج، والتدريب، والمشاركة في اعداد التقارير الدولية والإقليمية المطلوبة، وفي اعداد بعض البرامج والمشروعات المعنية بحقوق الطفل وقضايا الطفولة، وأية مهم أخرى توكل لي.

3) ما رأيك حول وضع الطفل في العالم العربي بشكل عام، وسلطنة عمان بشكل خاص؟
بحكم عملي السابق في جامعة الدول العربية والمجلس العربي للطفولة والتنمية، كنت اتابع وارصد تطور أوضاع الطفل في المنطقة العربية، واعمل على تقديم تقارير دورية عن حقوق الطفل، وبالتالي وضع تصورات ببرامج ومشروعات للنهوض بأوضاع الطفل.
كما ان الاستشارات والدراسات التي اعددتها او شاركت فيها مع عدد من المنظمات الدولية كاليونيسف واليونسكو والصحة العالمية، واللجان المعنية بحقوق الانسان والطفل والمرأة في الامم المتحدة، او مع المنظمات الإقليمية كمنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية غير الحكومية كمنظمة الطفولة السويدية، والمنظمة الدولية لرعاية الأطفال، وبرنامج الخليج العربي للتنمية، ومراكز الأبحاث والدراسات، كمعهد انماء المدن.. وغيرها، تركزت في البحث في قضايا نوعية ذات صلة بالطفل في المنطقة العربية، كالأطفال ذوي الإعاقة، والعنف ضد الأطفال، وعمل الأطفال، والفقر بين الأطفال، ومنظمات المجتمع المدني العاملة في قضايا الطفولة.. وغيرها.

ومن خلال هذه التقارير والدراسات والاستشارات، اجمالاً، كنت أعمل على تحليل أوضاع الطفل في المنطقة العربية بشكل عام او بالتركيز على مجال محدد كالإعاقة مثلاً، في مراحل مختلفة، وأساهم في تقديم رؤى وأفكار لسياسات أو لبرامج وانشطة يمكن ان تساعد في حل بعض التحديات والمشكلات.
اشرت لهذه المقدمة بهدف الإشارة الى ان هناك ثمة جهود تبذل من قبل منظمات وجهات حكومية وأهلية للارتقاء بأوضاع وحقوق الطفل في المنطقة العربية، وعقدت في هذا السياق عديد من المؤتمرات والندوات وحلقات العمل، كما تم تقديم عديد من التقارير الراصدة والدراسات التحليلية لأوضاع الطفل في المنطقة، تمت الإشارة فيها الى مدى النجاحات التي تحققت والتحديات التي يتطلب التصدي لها.
وبمتابعة أوضاع الطفل في العالم العربي في المراحل المختلفة –كما سبق الإشارة- يلاحظ ان هناك تفاوت واختلافات من منطقة الى أخرى او دولة وأخرى، فخلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، كانت تدل مستويات التقدم لأوضاع الطفل بحسب تقارير اليونيسف وجامعة الدول العربية، الى أن هناك دولاً حققت مستويات متقدمة، بينما هناك دول أخرى قدمت مستويات متوسطة، وبقيت المستويات ضعيفة في عدد من الدول العربية التي تدخل تصنف بالدول الفقيرة أو الأقل فقراً.

وأثرت نتائج الاضطرابات والنزاعات المسلحة التي شهدتها عدد من دول المنطقة، وما افرزته، بالإضافة الى الازمة الاقتصادية العالمية وتدهور أسعار النفط، على أوضاع الأطفال في بقية دول المنطقة، بما في ذلك بعض الدول، التي تعرفها تقارير التنمية البشرية، بالدول ذات التنمية المرتفعة، على الرغم من اتخاذها تدابير وإجراءات وقائية للحد من تقليص النفقات وبالتالي البرامج الاجتماعية الموجهة للأطفال وغيرها من الفئات المحتاجة.

ومع أن سلطنة عمان استطاعت بفضل السياسة السلمية الحكيمة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المفدى، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة الرشيدة، من تفادي العديد من الازمات والتحديات الاقتصادية، الا أنه لا تزال هناك بعض التحديات والتأثيرات سواء المرتبطة بالعولمة، أو بالتغيرات الدولية والاقليمية، التي تلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والتنموية في السلطنة، الأمر الذي يتطلب وضع استراتيجيات وخطط بديلة لمواجهة هذه المتغيرات وغيرها من التحديات المستقبلية القادمة.

بشكل عام يمكن القول ان السلطنة حققت مستويات متقدمة في وضع الطفل في العديد من المجالات الصحية والتعليمية والاجتماعية والثقافية، وحققت مؤشرات مرتفعة في العديد من الأهداف التي حددتها الأهداف الالفية للتنمية، واهداف الخطة العالمية عالم جدير بالأطفال، وهو الأمر الذي حدا باللجنة الدولية لحقوق الطفل، إطلاق صفة ” سلطنة عمان صديقة لحقوق الطفل “، وذلك اثناء مناقشتها للتقرير الدوري الجامع للتقريرين الثالث والرابع لحقوق الطفل في السلطنة في يناير 2016. ورغم هذه المكاسب التي تحققت للطفل في عمان، الا انه لا تزال هناك العديد من الإنجازات المطلوب تحقيقها خلال السنوات القادمة.

4) قانون الطفل الصادر في عام 2014م شكل نقلة كبيرة في وضع الطفولة في السلطنة، ما رأيك في ذلك؟
شكل قانون الطفل الذي صدر بالمرسوم السلطاني رقم 22 / 2014، إضافة نوعية الى الإنجازات التي تحققت لصالح الطفل في عمان.
وبشكل عام القانون هو واحد من الآليات او الوسائل لإعمال حقوق الطفل، باعتباره أداة تشريعية وتنظيمية، لمساندة السياسات والاجراءات والتدابير، ولضمان تطبيقها في إطار الواقع الاجتماعي. ومن هنا تأتي أهمية صدور القانون لدعم السياسات والآليات والخطط والبرامج، والإجراءات والتدابير والجهود المختلفة التي وجهتها السلطنة لصالح الطفل.

فالسلطنة عملت منذ انضمامها الى اتفاقية حقوق الطفل في 9 ديسمبر 1996 بموجب المرسومين السلطانيين 54/1996 و99/1996، على اتخاذ سلسة من التدابير والإجراءات لحماية الطفل. ومن هذه الإجراءات تشكيل اللجنة الوطنية لرعاية الطفولة بموجب المرسوم السلطاني 92/ 1985 في 6 ابريل 1985، برئاسة معالي وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، ثم اعيد تشكيلها لتتبع وزارة التنمية الاجتماعية. وتم تطويرها لاحقاً لتكون اللجنة الوطنية لشؤون الاسرة، برئاسة معالي وزير التنمية الاجتماعية، وعضوية الوكلاء في معظم الوزارات والهيئات الحكومية التي تعنى بقضايا الاسرة والمرأة والطفل.
ورافق هذا الجهد الخاص بالأليات، تشكيل لجنة متابعة تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل في وزارة التنمية الاجتماعية، بناء على القرار الوزاري رقم 9/ 2001، والمعدل بالقرار الوزاري رقم 56/ 2009، برئاسة سعادة وكيل وزارة التنمية الاجتماعية وعضوية مدراء عموم الوزارات والهيئات ذات العلاقة بالطفل، وهدف تشكيل هذا الإطار العمل على تفعيل مبادئ اتفاقية حقوق الطفل، ووضع الآليات والبرامج اللازمة لمتابعة وضمان حقوق الطفل في السلطنة. كما ان الحكومة عملت على وضع برامج حقوق الطفل في رؤيتها التنموية وخططها الخمسية. واعدت عديد من الوزارة استراتيجيات وخطط خاصة بالطفل كوزارة التنمية الاجتماعية، او ضمنت في استراتيجياتها وخططها حقوق الطفل، كاستراتيجية وزارة الصحة، وخطط وزارات كل من التربية والتعليم والاعلام والتراث والثقافة.. وغيرها. وعليه شكل صدور القانون دعما للإجراءات السابقة، وضمانا لتنفيذها بمستويات أفضل.

5) ما هي التطلعات المستقبلية بشأن الطفل في عمان من وجهة نظركم، وكيف يمكن تحقيقها؟
تتطلع كل دول العالم، بما في ذلك السلطنة الى رفاه اطفالها، وهذا ما سعت اليه الحكومة منذ النهضة المباركة في عام 1970، وما تسعى اليه حاليا في الاستراتيجيات والخطط والتدابير سواء التي تضعها الحكومة بشكل عام أو الوزارات والهيئات المتخصصة بشكل خاص.
وكما تعلمون ان حقوق الطفل وتلبيتها تتطلب تضافر جهود عديد من الجهات والمؤسسات، بما في ذلك مؤسسة الاسرة، التي تعد النواة الأولى المعنية بتنشئة الطفل. ومن هنا جاء اهتمام الحكومة للارتقاء بالمستوى المعيشي للأسر، واتخاذ إجراءات وتدابير لدعم الاسر المحتاجة. وهو الأمر الذي انعكس على مؤشرات رفاه الطفل في السلطنة، كمعدل وفيات الأطفال الرضع الذي انخفض في عام 2016، الى 9.3 لكل ألف مولود حي، ومعدل وفيات الأطفال دون الخامسة، الذي بلغ 11.7 لكل ألف مولود حي.. وغيرها من المؤشرات المرتبطة بالصحة والتعليم والمستوى المعيشي اجمالاً.

كما ان النتائج المتقدمة التي حققتها السلطنة على صعيد التنمية البشرية المستدامة، باعتراف تقارير المنظمات الدولية، انعكست هي الأخرى لصالح الطفل في عمان في العديد من المجالات المرتبطة بحياته ونموه وتقدمه.
وتواصل السلطنة العمل حاليا ومستقبلاً، من خلال الاستراتيجيات والخطط الوطنية للحكومة، الى ضمان توفير الخدمات والرعاية الصحية والتعليمة للجميع، وكذلك تحقيق معدلات مرتفعة في الجوانب المختلفة ذات العلاقة بالمستوى المعيشي.
ونظرا لان الطفل هو الحاضر وعماد المستقبل فان أي استثمار يوجه لتنميته اليوم، ينعكس في المستقبل على مستوى الانسان، وعلى تقدم عمان اجمالاً.

6) بعد ان أصبحت اليوم خبير ومهتم بشؤون الطفل، لو عدنا بالزمن الى طفولتك ما الذي سوف تضيفه اليها؟
كما سبق ان أشرت الى ان جيلنا في الماضي لم تتوافر له العديد من الإمكانيات المتوافرة للأطفال اليوم، وعليه كانت تندفن في أعماق العديد من الأطفال الكثير من المواهب والقدرات الابداعية، اما لقلة الإمكانيات وصعوبة الحياة، او لعدم إدراكالأسر لكيفية اكتشاف وصقل هذه المواهب وابداعاتها وتنميتها.
وكذلك الحال بالنسبة للمدرسة، رغم الجهود المشكورة والمقدرة التي بذلها معلمينا في إدارة العديد من الأنشطة والبرامج في الجوانب الرياضية والفنية والثقافية والأدبية، ومحاولات تشجيع العديد من المواهب والابداعات الطلابية، الا انها كانت تصطدم بقلة الإمكانيات، وانعدام المراكز المتخصصة.

وعليه انا اضيف هنا (استجابة لسؤالكم) أهمية الاكتشاف المبكر للموهوبين والمبدعين، ليكون موضوع اهتمام الوزارات والجهات الحكومية والأهلية، المعنية بالبرامج الموجهة للأسرة، وللأطفال في المدارس وفي المراكز الثقافية والرياضية والفنية، واوجه دعوة للقطاع الخاص من اجل لاستثمار الواعي في هذه المجالات دون النظر للربح كأساس لمشاريعه. فالطفل امانة ومسؤولية وطنية تعني الجميع.

7) نصيحة من خبير الطفولة الى الأسر حول تنشئة الطفل؟
كما تعلمون ان الدور الأساسي للأسرة هو تربية وتنشئة الأبناء تنشئة صالحة، وهذا ما قامت وتقوم به العديد من الاسر في مجتمعاتنا العربية في الماضي والحاضر، الا انه للأسف برزت في دول منطقة الخليج وبعض الدول العربية، خلال العقود الأربعة الأخيرة، ظاهرة اجتماعية، ارتبطت بالتغيرات الاقتصادية او نتائج الطفرة النفطية، وهي ظاهرتي التربية بالوكالة والاعتماد على الآخر في أداء الواجبات الاساسية، أي الاعتماد على المربيات (الشغالات) في تربية الأبناء، وعلى العمال الأجانب لخدمة الاسر في الطباخة وبقية الاعمال المنزلية (الطباخين والسواقين.. وغيرهم).
وأضافت العولمة والتطورات التكنلوجية الحديثة تحديات أخرى في منافسة الاسرة للقيام بأدوارها، وتحديدا ما يتعلق بالقيم والسلوك وإتاحة المعلومات.
هذه التحديات تتطلب من الجهات المعنية بالتنشئة الاجتماعية للأبناء، وعلى رأسها الاسرة، القيام بأدوارها، فمتغيرات العصر سريعة، والتحديات تتوسع وتتزايد مع تطور وسرعة وسائل الاتصال والتكنولوجيا، وعليها البدء في معالجة ومواجهة التحديات الحالية والمستقبلية كافة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى