المقالات

نوفمبر.. حين تتحدث الذاكرة ويعلوا صوت المستقبل

بقلم : هلال اليحيائي

ها نحن نعيش أجواء شهر نوفمبر ، بما يحمله من نفحات الشتاء العليلة ، وفيه يحتفي العُمانيون في العشرين من نوفمبر باليوم الوطني المجيد ببهجة وطنية مضاعفة. وإن هذا التزامن يحمل أبعادًا رمزية عميقة، إذ يجمع العُمانيون بين الذاكرة الوطنية الحديثة والجذور التاريخية الراسخة منذ تأسيس الدولة البوسعيدية في عهد الإمام السيّد أحمد بن سعيد البوسعيدي؛ ذلك القائد الذي كان له الفضل في توحيد البلاد، وتوطيد الأمن والاستقرار، وإنشاء قوة عسكرية استطاعت عُمان من خلالها طرد الغزاة والطامعين، لتصبح دولة ذات وزنٍ إقليمي ودولي  .

وقد امتدت هذه الإنجازات طوال ثلاثة قرون من حكم سلاطين البوسعيد، الذين ساد عهدهم العدل والتسامح والحكمة والإنسانية، في الداخل ومع العالم الخارجي. وفي عهد النهضة الحديثة عام 1970م، كان للمغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ الأثر العظيم في رسم صورة عُمان المعاصرة، إذ نقل البلاد نقلة نوعية في البناء والعمل، وركز على بناء الإنسان العُماني وتعليمه وتأهيله وتمكينه، ليكون الشريك الأول وحجر الأساس في مسيرة التنمية  واليوم نعيش في العهد المتجدد بقيادة مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي عمل منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم على التأكيد على الثوابت الراسخة في السياسة الخارجية، القائمة على الحكمة والاتزان وعدم التدخل في شؤون الغير. كما عمل جلالته على معالجة الملفات الداخلية من خلال إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية، وتقليل الدين الخارجي، وزيادة الإيرادات الحكومية، وترشيد الإنفاق، والتوسع في الاستثمارات المحلية والدولية، إضافة إلى الاستفادة من العلاقات التاريخية الراسخة لعُمان مع دول العالم .  

إن رمزية الاحتفاء باليوم الوطني ليست مجرّد استذكارٍ للماضي، ولا لحظة تأمّلٍ في ذكرياتٍ نتغنّى بها، وإنما هي مرحلة واعية لربط الأجيال الحالية بتاريخ عُمان الممتد لأكثر من ثلاثة قرون، وما تحقق فيه من مكتسبات وطنية،وربط تلك المسيرة بحاضر النهضة الحديثة بعد عام 1970م، وتطلعاتنا المستقبلية من خلالرؤية عُمان 2040” التي جاءت بمباركة سامية، وبإشرافٍ مباشر ومتابعة دائمة من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وكان للشباب العُماني فيها دور فاعل بأفكاره ومقترحاته ومشاركته البناءة  وهنا يأتي الاحتفال بالعيد الوطني ليرفع سقف الطموح، منخلال العمل الجاد والمشاركة الجماعية في تنفيذ الرؤية بهمةٍ عالية، لتبقى شاهدة على العصر، ولتؤكد للأجيال القادمة أن عُمان، منذ عام 1744م، تمضي في طريقها نحو المستقبل، مدفوعةً بماضيها التليد، ووفاء وإخلاص السابقين، ومستمرةً في التغيير والتطوير، وتحقيق كل مافيه خير للإنسانية جمعاء .

إن اليوم الوطني في العشرين من نوفمبر هو جسر عبوربين القرون، وفرصة للتقييم: ماذا أُنجز؟ وما الذي يمكنإنجازه؟ ويبقى الإنسان، في كل العصور، أساس التنمية ومحورها الأول؛ فعليه تُبنى الخطط، وبه تتحقق التوقعات ليصبح ما نطمح إليه واقعًا ملموسًا ،

فالـموارد ـ مهما عظُمت ـ لا تُثمر ولا تكتسب قيمتهاالحقيقية ما لم يكن هناك إنسان واعٍ يحميها ويُحسنإدارتها. إنسانٌ منحه وطنه الكثير، ووفّر له التعليم والصحة، وغرس فيه قيم الانتماء والولاء والوفاء؛ ليكون حارسًا لمكتسباته، ومحافظًا على استقراره ورخائه وتطوّره، وسفيرًا أمينًا يمثّل وطنه في الخارج، وجدارًا صلبًا يتصدّى لكل من يحاول المساس بمقدّراته الوطنية .

إن اليوم الوطني المجيد في العشرين من نوفمبر ليسذكرى عابرة ولا شعارًا نرفعه لفترةٍ مؤقتة، وإنما هو عهدٌعلى العمل، والمواصلة في بناء مستقبلٍ مشرقٍ لأجيالناالقادمة؛ أجيال ستسألنا يومًا: ماذا قدّمتم لنا؟ فلنشمر عن سواعد الجد، ونشحذ الهمم، ونضع أمام أعيننا أن تكون عُمان في مصاف الدول المتقدمة، مستغلين كل الفرص المتاحة، وساعين بجد على تعزيز المشاركة المجتمعية للحفاظ على ما تحقق، وتحقيق السبق والتفوق في زمن أصبح فيه الابتكار والريادة والتفوق العلمي سمات الدول المتقدمة وذلك كلّه لا يتعارض مع الحفاظ على هويتنا الإسلامية، وقيمنا الأصيلة، ومبادئنا السمحة؛ فهي ثوابت لا تقبل التغيير .

وأخيرًا، فإن الاحتفال باليوم الوطني هو تذكيرٌ للأجيال الحالية بأن ما تحقق لم يكن صدفة، بل كان ثمرة جهود المخلصين عبر التاريخ. وليكن تذكّرنا لتلك الأيام الخالدة،وتلك الشواهد الباقية، بمثابة وقودٍ يدفعنا نحو المستقبل؛فهو فصلٌ كتبه السابقون، وعلينا أن نُكمل فصوله القادمة بكلّ همة وفخر، واضعين نصب أعيننا طاعة الله عزّوجل، والولاء للسلطان، والدفاع عن هذا الوطن الذي نعمنا بخيراته، ومن واجبنا أن نردّ جميله بالعمل والبناء والإخلاص .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى