ثقافة التأجيل : هل نؤجل فكرنا حتى اشعار آخر !!

بقلم : علي المجيني
تربوي و خبير تخطيط
في هذا الزمن المتسارع نجد مشاريع كثيرة لم تنفذ بقت في فكرنا ، ومقاﻻ لم يكتب اصبح حائرا في اذهاننا ، و موهبة علمية تحاشت الظهور ، فأندثر كل ذلك و اختفى في مقبرة اﻻفكار، فصاحبها قد عاش طويلا لكنه غاب بفكر ممتلئا حاملا لها ولم يقدمها .
قرأت قبل فترة كتابا مبدعا في طرحه وتحليله العميق ، والذي يناقش كيف نسخر افكارنا وما في ذهننا لشرحها و سردها ، فقط عليك ان تظهرها ولا تجعلها في ذهنك محتجزة ولاتؤجلها .
هكذا يبدأ تود هنري حديثه في كتابه (مت فارغًا ) ، مستلهمًا فكرة أن أغنى مكان في العالم ليس البورصة ولا بئر نفط ولا منجم ذهب، بل المقبرة. حيث تُدفن الأفكار التي لم تُنفذ، والمواهب التي لم تُكتشف، والفرص التي ضاعت تحت وطأة التأجيل والخوف.
يدعو هنري القارئ إلى أن يعيش حياته بطريقة تضمن أن يغادرها وقد أفرغ كل ما لديه من إبداع، معرفة، ومبادرات ، لا أن يموت وهو يحملها معه، كما يحدث غالبًا في مجتمعات تُقدّس الصمت وتُجرّم الجرأة.
في الدين الاسلامي لا يُعد الصمت عن الخير فضيلة، بل يُعد تفريطًا في الأمانة ، قال تعالى:﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148] وقال أيضًا:﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ [الأنبياء: 90]
و قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إذا قامت الساعة وفِي يد أحدكم فسيلةً فليزرعها ” ، فالمسلم مأمور بأن يُبادر، يُفكر، يُعبّر، ويُسهم في الخير، لا أن يكتم ما في نفسه خشية النقد أو التردد.
إن دعوة (مت فارغًا ) ليست دعوة غربية ، بل هي دعوة إسلامية أصيلة، تدعو الإنسان أن يُفرغ ما في نفسه من خير قبل أن تتوقف حياته، ويسأل: ماذا قدمت .
في كثير من المجتمعات العربية، نُعاني من ثقافة الصمت ، حيث يُفضل الفرد أن يحتفظ بفكرته لنفسه، خشية النقد أو التهميش. المتقاعد يُنظر إليه كمن انتهت صلاحيته، والشاب يُطلب منه أن يصمت حتى ينضج ، أما الموهوب، فغالبًا ما يُطلب منه أن يؤجل حلمه .
حين تُدفن الأفكار في الصدور، يُصاب الاقتصاد بالركود، ويُصبح الإبداع رفاهية لا تُمارس إلا في الهامش. كم من مشروع صغير لم يُولد ، كم من فكرة تطويرية لم تُعرض ، كم من موظف عاش حياته المهنية كـ مُنفذ صامت لا كمُبادر .
في زمن الذكاء الاصطناعي،وانتشار وسائل التواصل اﻻجتماعي ، نغرد ونناقش في اوجه التطوير ، وأصبح بإمكان أي شخص أن يُنتج محتوى، يُصمم، يُعلّق، ويُبادر ، لكن هل هذا يعني أننا نُفرغ ما في حصيلتنا الفكرية ، أم أننا نُشتت أنفسنا في زحمة أدوات لا تُنتج إلا وهم الإنجاز .
ربما لا نملك رفاهية أن نُغيّر العالم، لكننا نملك القدرة على أن نُفرغ ما في فكرنا قبل أن يُغلق علينا الباب ، فارغين أو ممتلئين… الخيار لنا، والوقت لا ينتظر من يُجيد التأجيل.




