المقالات

مراجعة أكاديمية لبعض المصطلحات التشريعية

بقلم: الدكتور بدر بن جمعه المسكري
كلية الحقوق جامعة السلطان قابوس

لما كان حسن الصياغة التشريعية هو أحد أسباب نجاعة التشريع وتعبيره عن دقيق مرام المشرع فقد كان لزاماً أن تكون ألفاظ المشرع ومصطلحاته متسقة وموجبات التشريع وغاياته، بحيث لا تدع مجالاً للشك أو اللبس فيها، ولا تفتح باباً للاجتهاد غير المنضبط في مدلولاتها، إلا أن التشريع وبحكم طبيعته الوضعية لن يخلو من هفوات الصياغة التي تتراوح جسامتها بين تلك اليسيرة التي يمكن تفهمها ولا تؤثر على مقصود المشرع، وبين تلك الجسيمة التي قد يصل أثر بعضها لتضييع هذا المقصود، والمتتبع للتشريعات العمانية يجدها لم تخرج عن هذه الطبيعة؛ فهناك بعض المصطلحات القانونية التي تستخدم في المنظومة القانونية العمانية تضع دقة الاستخدام والاتساق مع الإطار القانوني السليم على المحك.
نبدأ المقال بمناقشة مصطلح “نظام”، حيث من الملاحظ في الآونة الأخيرة صدور بعض المراسيم السلطانية بإسم نظام مثل نظام المحافظات والشؤون البلدية رقم 101/2020، نظــام غرفــة تجــارة وصناعــة عمــان رقــم 56 /2022، ونظام صندوق الحماية الاجتماعية50 / 2023، فهل يختلف هذا المصطلح عن مصطلح القانون؟
كما هو معلوم أن الهرم التشريعي الذي يعبر عن ترتيب القواعد القانونية من حيث قوتها والجهة المنوطة بإصدارها إلى دستور وقانون ولوائح وقرارات فردية، ولا يوجد في هذا الترتيب ما يسمى بالنظام، حتى عند الرجوع لنص المادة “49” من النظام الأساسي للدولة الحالي التي توضح مهام وصلاحيات السلطان وفيها نجد أن من ضمن المهام التصديق على القوانين وإصدارها وليس هناك أي ذكر لمصطلح نظام.
ولا توجد أية إشارة لا من قريب أو بعيد لهذا المصطلح في النظام الأساسي للدولة الحالي، وإن كان النظام الأساسي للدولة الملغى قد أشار في المادة “80” منه على أنه “لا يجوز لأية جهة في الدولة إصدار أنظمة أو لوائح أو قرارات أو تعليمات تخالف أحكام القوانين والمراسيم النافذة أو المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي هي جزء من قانون البلاد.”
وهي تقابل المادة “97” من النظام الأساسي للدولة الحالي، حيث جاء نصها على النحو الآتي: “لا يجوز لأي جهة في الدولة إصدار لوائح، أو قرارات، أو تعليمات تخالف أحكام القوانين والمراسيم السلطانية النافذة، أو المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تعد جزءًا من قانون البلاد.” وهو ما أسقط فيه مصطلح “الأنظمة”، ولعل إسقاط مصطلح الأنظمة يدل أن المشرع الدستوري العماني صرح بإسقاطه من التسميات التشريعية، وما إعمال المشرع العادي له إلا تناقض مع رغبة المشرع الدستوري نفسه.
والتي تفيد في كل الأحوال وفق نص النظام الأساسي الملغي والقواعد القانونية العامة أداة تشريعية أقل مرتبة من القانون، فالنظام ليس بقانون ولا يجوز له مخالفة القانون، فهو أقل مرتبة من الأخير.
فالأنظمة يمكن أن تقترب من اللوائح التنظيمية أو لوائح المرافق العامة، والتي تعني تلك اللوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية لتنظيم أو تسيير المرافق العامة. وتتميز هذه اللوائح بأن مصدرها السلطة التنفيذية بإعتبار أن الأخيرة هي المنوط بها دستوريًا تسيير المرافق العامة، وتأتي مستقلة عن القانون أي أنها ليست تابعة للقانون كاللوائح التنفيذية، ولكنها في الأحوال جميعها تأتي في مرتبة أقل من القانون وبالتالي لا يجوز مخالفته.
إن ما جرى عليه العمل في الفترة الأخيرة من وصف بعض القوانين بالأنظمة، ووصف اللوائح الصادرة تنفيذا لهذه الأنظمة باللوائح التنظيمية، يحتاج لإعادة نظر، فلا القانون يمكن تسميته في المنظومة التشريعية العمانية بالنظام واللائحة الصادرة تنفيذًا له باللائحة التنظيمية، فالأمر في حقيقته “قانون” وما يصدر تنفيذًا له “لائحة تنفيذية”، فالنظام واللائحة التنظيمية لهما معنىً محددًا قانونًا على النحو سالف الإشارة إليه. وعند تسليط الضوء على الاستخدام غير الدقيق لمصطلح نظام، إنما يخشى ألا تكون الأنظمة خاضعة للقنوات التشريعية التي أوجبها النظام الأساسي؛ فإذا كانت صلاحيات مجلس عمان إقرار مشروعات القوانين ألن يكون إقرار مشروع النظام خارجًا عن هذه الصلاحيات باعتباره ليس قانونًا؟ وبالانتقال لمصطلح تشريعي آخر، فقد درجت ديباجة بعض المراسيم المصدرة للتشريعات على أن تشتمل عبارة( بعد العرض على مجلس عمان. وعلى الرغم من أهمية هذه العبارة في الوقوف على معرفة القوانين التي تصدر من رئيس الدولة بعد المرور على مجلس عمان وتلك التي تصدر دون ذلك سواء في وجود مجلس عمان أو في غيبته إلا أن استخدام هذه العبارة يعوزه الدقة والضبط القانوني، فالمادة “72” من النظام الأساسي للدولة الحالي ويقابلها المادة “58” مكررًا “35” من النظام الأساسي الملغي – تنص على أنه ” يختص مجلس عمان بإقرار أو تعديل مشروعات القوانين ..”.، كما جاءت المادة “73” بتحديد اختصاص رئيس الدولة في التشريع بنقل الاختصاص التشريعي لمجلس عمان لرئيس الدولة في حالة غيبة الأول، وترتيبًا على ذلك جاء قانون مجلس عمان بتحديد إجراءات وتفاصيل ومراحل إعمال المادة “72” من النظام الأساسي، مع تحديد اختصاص رئيس الدولة في الاعتراض على مشروع القانون الذي وافق عليه مجلس عمان وإجراءات ذلك الاعتراض.
إن استخدام عبارة “بعد العرض على مجلس عمان” يشير إلى أن دور مجلس عمان لا يعدو كونه مجرد إبداء الرأي في مشروع القانون المحال من الحكومة، دون أن يكون هذا الرأي ملزمًا لسلطة إصدار القانون، وفي الحقيقة فإن نص المادة”72″ من النظام الأساسي لا تشير لذلك مطلقًا، حيث تجعل اختصاص مجلس عمان إقرار مشروع القانون أي الموافقة عليه، وليس مجرد عرض المشروع لإبداء الرأي. وما يؤكد ذلك ما جاء به قانون مجلس عمان بتحديد إجراءات وتفاصيل ومراحل إعمال المادة”72″ من النظام الأساسي، مع تحديد اختصاص رئيس الدولة في الاعتراض على مشروع القانون الذي وافق عليه مجلس عمان وإجراءات ذلك الاعتراض، وذلك في المادة” 47″ منه، حيث نصت على أنه “تحال مشروعات القوانين التي تعدها الحكومة إلى مجلس عمان لإقرارها أو تعديلها، ثم رفعها إلى السلطان مباشرة؛ للتصديق عليها وإصدارها. وفي حالة إجراء تعديلات من قبل مجلس عمان على مشروع القانون يكون للسلطان رده إلى المجلس لإعادة النظر في تلك التعديلات، ثم رفعه إلى السلطان”. وبالتالي، فمجلس عمان هو صاحب الاختصاص الأصيل في التشريع بإقرار أو تعديل مشروعات القوانين، وليس مجرد إبداء رأي في مشروع القانون، ولرئيس الدولة الاعتراض على مشروع القانون الذي وافق عليه المجلس في حالة واحدة فقط وهي في حال إجراء تعديلات من قبل مجلس عمان على مشروع القانون.
وترتيبًا على ذلك، فإننا نوصي المشرع العماني باستخدام مصطلح قانون بدل نظام، وكذلك بإعادة النظر في العبارة المستخدمة في ديباجة مرسوم إصدار القانون بأن تكون “وبعد موافقة مجلس عمان”، أو “وبعد إقرار مجلس عمان”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى