المقالات

مدى توفيق قانون العمل الجديد بين مصلحة المرأة تجاه أسرتها ومصلحة صاحب العمل

بقلم الدكتور بدر المسكري

كلية الحقوق جامعة السلطان قابوس

شهدت سلطنة عمان مؤخراً تطورًا كبيرًا على مستوى التشريعات الخاصة بتوفير الحماية للمرأة، حيث اتخذت الدولة في هذا السياق مجموعة من الخطوات والتدابير القانونية التي تعزز مكانة المرأة من خلال إصدار تشريعات خاصة بالمرأة أو تعديل بعض التشريعات أو الانضمام للمعاهدات الدولية التي تعزز مكانة المرأة وتمنع كافة أشكال التمييز. ومن التشريعات التي منحت المرأة الكثير من الامتيازات والحقوق قانون العمل الذي جاء من أجل تعزيز مكانة المرأة في سوق العمل ورفع الإجحاف الذي قد تتعرض له من صاحب العمل.
في 25 يوليو 2023 صدر مرسوم قانون العمل رقم “53/2023” الذي تضمن حزمة كبيرة من التعديلات والتحسينات التي من ِشأنها الإسهام في تحسين بيئة العمل وتحقيق التوازن بين أطراف العمل، وبما يتوافق مع رؤية “عمان 2040” والتي من أهم أهدافها إيجاد بيئة عمل جاذبة تتفاعل مع المتغيرات وتجعل بناء القدرات الوطنية وصقلها على رأس أولوياتها.
يناقش المقال ويحلل أهم التعديلات في قانون العمل المتعلقة بحقوق المرأة العاملة وذلك بمقارنتها بالقانون الملغي ويقيّم ما إذا كانت التعديلات لصالح المرأة أم أن هناك حاجة لاقتراح بعض التعديلات التي تجعلها أكثر فاعلية سواء للمرأة العاملة أو لصاحب العمل. إذ جاء هذا القانون، ليعلن المشرع من خلاله بإفصاح جهير وهو حماية حقوق المرأة العاملة، وتمكينها من التوفيق بين واجباتها تجاه أسرتها، وواجباتها تجاه مجتمعها، في سلسلة متصلة الحلقات من النصوص، نعرض لأهمها في المقال.
فمن الأحكام التي استحدثها قانون العمل الحالي والتي لم ينص عليها في القانون الملغي هو نص المادة “76” التي نصت على قانون مفاده: “تمنح العاملة المرضعة (1) ساعة يوميًا لرعاية طفلها تبدأ بعد انتهاء إجازة الوضع لمدة عام واحد ويترك تحديدها للعاملة، وتحسب هذه الساعة من ضمن ساعات العمل الفعلية”. فيتضح من قراءة المادة أنها منحت المرأة العاملة سواء كانت عمانية أو غير عمانية ساعة يوميًا لرعاية طفلها لمدة عام ومنحت الحرية للمرأة في اختيار الوقت المناسب للاستفادة من هذه الساعة، ولا شك في أن هذا التعديل يستحق الإشادة والثناء لما فيها من رعاية واهتمام بحقوق الطفل الرضيع.
ومن الميزات التي أتى بها القانون الحالي ولم ينص عليها القانون الملغي منح المرأة العاملة في المادة “83” الحق في طلب إجازة دون أجر لرعاية طفلها لمدة لا تتجاوز عاما مع تحملها كافة الاشتراكات الواجب دفعها لصندوق الحماية الاجتماعية وتعدُّ هذه الإجازة ضمن مدة خدمة العاملة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن منح الإجازة هو أمر جوازي مربوط بطلب العاملة وموافقة صاحب العمل، ولا شك في أن هذا التعديل محمود ويعدُّ خطوة إيجابية لتعزيز حماية صحة المرأة العاملة ورعاية حقوق طفلها. ولكن يمكن أن يكون التعديل أكثر فاعلية وذلك بإعفائها من دفع الاشتراكات أو أن تتحمل نصف الاشتراكات وتتحمل الدولة النصف الآخر.
إضافة لذلك فقد تم زيادة إجازة الوضع لمدة “98” يومًا تستحق فيها العاملة إجازة خاصة بأجر شامل وذلك عملًا بنص المادة “84” ـ الفقرة 10ـ.
والملاحظ هنا أن هذه المدة أطول من مدة إجازة الوضع في القانون الملغي التي كانت “50” يومًا، كما أن القانون الحالي خلا من القيد الذي كان واردًا في القانون الملغي من ضرورة قضاء سنة في خدمة صاحب العمل للاستفادة من هذه الإجازة، كما أطلق عدد المرات على عكس القانون الملغي الذي قيدها بثلاث مرات فقط طوال مدة الخدمة لدى صاحب العمل.
ومن ضمن الحماية التي تستحق الثناء والإشادة أن المادة “12” ـ الفقرة 1ـ اعتبرت إنهاء صاحب العمل لعقد العمل فصلًا تعسفيًا إذا كان السبب هو الحمل أو الولادة أو الرضاعة بالنسبة للمرأة العاملة وهذه الحالة تم اِلإشارة إليها في القانون الملغي في المادة “84” ولكن في القانون الحالي كان أكثر صراحة وأضاف الرضاعة التي لم تكن منصوصا عليها وهذا دليل آخر واضح يدل على اهتمام القانون الحالي بتوفير أقصى درجات الحماية للمرأة العاملة.
وكذلك تطلب القانون الحالي من صاحب العمل توفير مكان مخصص للاستراحة في المؤسسات التي يزيد فيها عدد العاملات على “25” عاملة وهذا الأمر التي لم يكن مطلوبًا في القانون السابق. يضاف لذلك أن الفقرة الثامنة من المادة 84 استحدثت حكمًا جديدًا بالنسبة للمرأة غير المسلمة في حالة وفاة زوجها بمنحها إجازة لمدة “14” يومًا.
يبدو مما سبق أن المشرع العماني حرص على توفير حماية فاعلة للمرأة العاملة، وهذا أمر له وجهان: الأول وهو أمر محمود يتمثل في المزايا والحقوق التي حصلت عليها المرأة العاملة في القانون الحالي، حيث التزم المشرع العادي بما أوجبه المشرع الدستوري في شأن وجوب الحفاظ على وحدة وتماسك الأسرة، باعتبارها أساس المجتمع، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها في المجتمع، فلا يجوز حمل حق المرأة في العمل بأعباء وقيود تجعل ممارسته إرهاقًا لها، وحائلاً دون تمكينها من التوفيق بين عملها، وواجباتها نحو أسرتها وأطفالها، وإلا كان في ذلك انتقاص من أصل هذا الحق أو نقضه من أساسه. والوجه الثاني لهذه التعديلات أن صاحب العمل لا يرى أن هذه التعديلات تصب في مصلحته حيث إن ترجمة هذه الحقوق والمزايا في الواقع العملي هي زيادة تكلفة تشغيلية وكما هو معلوم أن المؤسسات التجارية تهدف إلى زيادة الأرباح وتقليل الكلفة التشغيلية ولذلك نتوقع أن صاحب العمل سوف يتردد بشكل كبير عند توظيف النساء بسبب تكلفة هذه المزايا والحقوق، وهذا كان ملاحظًا حتى في ضوء القانون الملغي الذي كانت مزاياه أقل نوعًا ما من القانون الحالي، فحسب إحصائية 2020 أن نسبة النساء العاملات في سن “19ـ 30” هي نحو 21% فقط من إجمالي العمالة الوطنية ، فكيف يتم التعاطي مع موضوع تشغيل النساء في ظل القانون الحالي، حيث يخشى أن يواجه ذلك بعزوف أصحاب الأعمال عن توظيف النساء وتفضيل الرجال عليهن لدرء تحمل التكلفة المالية لهذه المزايا الجديدة.
وترتيبًا على ما سبق، يمكن القول بأن قانون العمل الحالي استحدث الكثير من المزايا والحقوق للمرأة العاملة وهي تستحق الإشادة والثناء، ولكن هناك بعض التخوف أن يكون لهذه التعديلات تأثير سلبي في توظيف النساء في المؤسسات التجارية على المدى البعيد. ولا يضعف من هذا التخوف ما أتى به قانون الحماية الاجتماعية الجديد في الفصلين السادس والسابع منه بإلزام جهة العمل بسداد الاشتراكات الشهرية لفرع تأمين الإجازات المرضية والإجازات غير الاعتيادية، وفرع تأمين إجازات الأمومة إلى الصندوق بواقع (١٪) واحد في المائة من الأجر شهريًا. فمن الناحية المالية ستتحمل جهة العمل دفع هذه الاشتراكات وهذا يشكل عبئَا ماليا عليها، فضلاً عن ذلك فإن تكلفة تشغيل المرأة ستظل أكبر بالمقارنة مع الرجل، إذ لا يقارن ما يستحقه الرجل من عدد أيام الإجازات بما تتمتع به المرأة العاملة، ويشكل هذا في حد ذاته عبئًا ماليًا اضافيًا على جهة العمل في تشغيل المرأة، حيث يتطلب الأمر مع طول مدة الإجازة البحث عن عامل بديل يقوم بمهام العاملة المتمتعة بالإجازة، أو إضافة أعمالها لآخرين داخل جهة العمل بأجر إضافي.
عليه نقترح أن تتحمل الدولة تكلفة هذه المزايا وليس صاحب العمل، وذلك لضمان توظيف النساء. فالأمر يحتاج إضافة تشريعية بتحمل الدولة هذه الأعباء المالية الجديدة، وعلى الأخص إجازة الامومة، وذلك في إطار مبدأ التضامن الوطني.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى