المقالات

صباحات مشرقة بكم يا اطباء

بقلم: خليفة الغافري

بداية الحديث لا بأس علي إن وضعت جرعة صباحية من الأمل في كوب نهاركم ، فالشوارع مليئة بالمركبات ، وتصف أعمدة النور لتلقي التحية على مواكب الأطباء ، صباح مليء بالأمل رغم كل التحديات و المطبات التي سوف تتجاوزوها الواحد تلو الاخر …‏ صباح مفعم بالأناقة فالعمل عند الطبيب أشبه بالموعد الغرامي لهذا تجد وجوه الكثير من الأطباء مبتسمة – تلك الابتسامة التي لا تمل من النظر إليها ، كأن ملامحهم عالم من الرحمة ومجرات من المحبة.

معشر الأطباء يقال عنكم محترفون و مختفلون في كل شيء ، و يقال عنكم أيضا أصحاب قوة و تملكون قلوب كالصخر ، فالكثير حكم عليكم من خلال تصرفاتكم و هيئتكم أمام المرضى و أنه لا تظهر عليكم ملامح الحزن بل أنكم أصحاب قوة وثبات في التعامل مع المواقف الصعبة. أبها الأطباء – لكنني عكس الجميع فأنا أراكم بشر كغيركم، فأنتم قد تكونوا داخليا محروقين تماما ، ‏لأن الموت هو حياتكم اليومية فترون الموت بمختلف الصور في غرف العمليات و أقسام الطوارئ و الحوادث وغيرها .. فالحوادث بنظري أنا والكثير غيري هي مجرد ظرف طارئ قد لا نراه أو نسمع عنه إلّا بأوقات متقطعه بعكسكم أنتم ، فالوجع بكل أصنافه والموت يأتي إليكم كأنه روتين يومي لا بد أن تتعايشوا معه.

الطبيب ليس بارد كما يظن الجميع بل يسكن في داخله عالم ممتلئ بالقصص و المشاهد الأليمة ، حتى عندما يموت مريض في غرفة العمليات يبقى طيف المريض هو الزائر الذي يرفض مغادرة مخيلة الطبيب حتى في أحلامه ، و كلي يقين بأن كل طبيب سوف يقرأ نثري هذا سوف يتذكر صرخة مريض أو أنين كسير أو اللحظات الأخيرة لوداع روح قد فارقت الحياة . الطبيب خلق لكي يمتص الصدمات ، فلا نرى أثار لها على هيئته ، ولكن الأثر الحقيقي يبقى في قلبه و لن يرحل أبداً، فمن مثل الطبيب تحتفظ ذاكرته بشريط لا نهاية له من الأحداث؟ .

الطبيب فيلسوف محترف و كاتب لامع و أديب يشار إليه بالبنان ، فالإبداع هو وليد للمواقف الصعبة و لهذا نجد أكثر الأطباء يدونون أحداثهم اليومية بصورة محترفة كأنهم كتاب بالفطرة ، و الطبيب كلما كبر في العمر كبرت معه عقليته و ثقافته و تمرسه لمهنة الطب ، رسالة لمن وصل الستين ما زلتم شبابا يا أصدقائي و روحكم الجميلة ببراءة شاب يافع و هدوء رجل في الأربعين .

أيها الأطباء لتجعلوا هذا الصباح مختلفا و الرسالة لكم أنتم يا زملائي الأطباء في مختلف المستشفيات في عماننا الحبيبة ‏
ليكون ‏شعاركم لهذا اليوم :
عش ضاحكا مهما شقيت؛ إن
الجروح بصوت الضحك تلتئم
و لتجعلوا لمرضاكم نصيب من الدعاء و حسن التشخيص ، و أنتم يا الزملاء في عيادات الطب النفسي لتعلموا بأنه لا يزوركم المرضى بل يأتيكم ضحاياهم هي معادلة صعبة و لكن فك رموزها هو بداية العلاج.

‏‎‎مجتمعنا الغالي – أن الطبيب هو بوصلة الحقيقة و قبلة للاهتمام ، يحترقون بسببكم و من أجلكم بقوا صامدين ، يلبسون مختلف الأقنعة ليس لأنهم جبناء بل لأنهم يخشون عليكم من ألم ما قد تتصفحونه على وجوههم و لهذا اختاروا الثبات ظاهريا و هذا الثبات بحد ذاته أحتضار، فما اصعبه من وضع عندما تكتم مشاعرك و أنت تحترق بداخلك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى