المقالات

الأمل المستغل.. كيف يتحوّل الدين والإنسانية إلى أدوات احتيال؟

بقلم: أحمد الغساني

في زمن تتسارع فيه الأخبار وتتشابك فيه أدوات التأثير، أصبح الاحتيال أكثر من فعل فردي عابر؛ إنه نمط منظم يستثمر في أكثر ما يملكه الإنسان هشاشة: الأمل. بين خطاب يستدرّ العاطفة، وآخر يتشح بعباءة الدين أو العمل الإنساني، يجد كثيرون أنفسهم منقادين نحو وعود الخلاص السريع، في لحظة يعجز فيها العقل المرهق عن التحقق، ويقود اليأس صاحبه إلى التسليم.

لا يقوم هذا النوع من الاحتيال على الكذب المباشر بقدر ما يقوم على إعادة ترتيب المعنى. تُستدعى المعاناة لإغلاق باب السؤال، ويُستحضر الخطاب الأخلاقي ليصبح بديلًا عن أي مساءلة. هنا، لا يُطلب من المتلقي أن يفكّر، بل أن يثق فورًا، وأن يدفع ثمن هذه الثقة مقدمًا.

النجاح في هذا النمط لا يعود فقط إلى مهارة من يمارسه، بل إلى بيئة تسمح له بالازدهار. فالمجتمعات التي تتراجع فيها أدوات التحقق، وتضعف فيها الثقافة القانونية، وتشتد فيها الضغوط الاقتصادية، تصبح أكثر قابلية للوقوع في هذا الفخ. الإنسان الذي يبحث عن نجاة عاجلة لا يفاوض الفكرة، بل يتمسّك بها، حتى وإن كانت واهية.

ولا يمكن اختزال الظاهرة في لوم الضحايا. فالكثيرون لا يخسرون المال فقط، بل يخسرون معه الطمأنينة والثقة وربما آخر ما تبقّى لهم من توازن. وحين يكتشف الإنسان أنه خُدع باسم ما كان يراه قيمة عليا، يصبح الألم مضاعفًا، ويتحوّل الغضب إلى وسيلة تعبير أخيرة في غياب شعور فعلي بالعدالة.

على الجانب الآخر، المحتال نفسه غالبًا يدرك خطأه تمامًا، لكنه يصرّ عليه بدافع المكاسب الآنية. الإصرار الواعي على استغلال الحاجة الإنسانية هو أخطر من الجهل، لأنه قرار محسوب لتفضيل المصلحة على القيم.

معالجة هذه الظاهرة لا تكون بالغضب وحده، بل بالوعي والفعل. تشريعات واضحة، إعلام كاشف دون تهويل، خطاب ديني مسؤول، ومجتمع لا يسلّم عاطفته دون تحقق، هي أدوات حماية فعالة. حينها يعود الأمل إلى موقعه الطبيعي: دافعًا للحياة، لا فخًا للاستغلال.

السؤال الذي يفرض نفسه ليس كيف نمنع الاحتيال باسم الدين والإنسانية، بل لماذا يجد هذا الاحتيال بيئة خصبة للنمو في مجتمعات يُفترض أنها تقوم على الصدق والتكافل. الإجابة عن هذا السؤال تتطلب انتقالًا من الاستجابة العاطفية وحدها إلى منطق المسؤولية الواعية، حيث تصبح النية الحسنة بداية الطريق لا نهايته، والسؤال فُعل حمايةً للإنسان والقيم معًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى