تجسيد الهوية العمانية والتفوق في عالم متغيّر… توجهٌ مهم

بقلم: علي بن سالم المجيني
تربوي وخبير تخطيط
كلما قيل عُماني ، انطوت تحتها الطيبة والتواضع والعديد من الصفات التي جُبل عليها الشعب العُماني على مرّ العصور والأزمنة. والشواهد كثيرة، وآخرها ما تم تناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء على المستوى الخليجي أو العربي، إذ تعجّب أحد المؤثرين اعلاميا من طيبة هذا الشعب، وجاء أحد الكُتّاب ليمدح العُماني عبر صفحاته ويتغزّل بتلك الصفات. كذلك السائح أو الزائر يشعر بحُسن طباع الإنسان العُماني، والطبيعة البشرية ، والمناظر الطبيعية الخلابة، وغيرها من المظاهر التي تُدهش الزائر وتُرسّخ صورة حسنة عن الوطن.
حتى أن المسلسلات المحلية نقلت تلك الصفات وطُبعت بها شخصيات ممثليها. وفي ظل ذلك، تفوّقت اللغة الكوميدية والدرامية على بعض مفردات اللهجة المحلية،والغرض منها الكوميديا، خاصة في مسلسلات رمضان التي عُرضت بنصوصٍ تأخذ مسارًا كوميديًا يأسر المشاهدين، متفوّقة على غيرها من الأغراض الفنية ، وشخصية “الشايب خلف” مثلًا، والتي قام بأدائها الفنان المتألّق صالح زعل، مثّلت وجسدت المواطن العُماني .
فأينما يذهب العماني، يُعرف من أين هو ، تكريما بالصفات التي يتحلى بها ، وما هي إلا صفات نفتخر بها ونعتز.
فأصبح العُماني يسافر إلى أصقاع الأرض، لا يسلك إلا صفاته التي اكتسبها وتربّى عليها في وطنه. حتى انه، قد يقع في طائلة النصب والاحتيال والغش، لأنه يتعامل مع كل تصرف بطيبته وحُسن صفاته، أو أنه يتعلّم التعايش مع الوضع السائد في ذلك البلد.
العُماني يدرس في أرقى الجامعات، وينال أعلى الدرجات العلمية، ويتخرّج طبيبًا ومهندسًا ومعلّمًا، وغيرها من المهن. فقد يكون أحد علماء الذرّة مستقبلًا، أو مهندسًا في برامج الذكاء الاصطناعي، أو متخصصًا في الطاقة المتجددة، أو محاضرًا في أعرق الجامعات العالمية، وينشر بحوثه العلمية المحكمة.
لقد أصبح اسم العُماني، يتردّد في المحافل الدولية، وينال إعجاب وثناء الحاضرين ، ومن امثلة العمانيين الذين يعملون كمحاضرين في ارقى الجامعات العالمية:الدكتور سالم العريمي: أستاذ مساعد في جامعة ستانفورد، الولايات المتحدة الأمريكية، متخصص في مجال الذكاء الاصطناعي ، والدكتورة مريم البوسعيدية: أستاذ مشارك في جامعة هارفارد، الولايات المتحدة الأمريكية، متخصصة في علم الأحياء الدقيقة ،والدكتور أحمد الكندي: أستاذ مشارك في جامعة كامبريدج، المملكة المتحدة، متخصص في الفيزياء النظرية ، إلى جانب نخبة أخرى من الكفاءات العُمانية التي تواصل التألق عالميًا.
وفي أحدث الإحصاءات المتاحة، بلغ عدد الأكاديميين العُمانيين الذين يُحاضرون في مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة داخل السلطنة حوالي (2647) عضو هيئة تدريس، بنسبة تعمين بلغت حوالي 45%، وفقًا لبيانات الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار للعام الأكاديمي (2022/2023)، وفي يوم الجامعة لهذه السنة ، بلغ عدد خريجي جامعة السلطان قابوس من حملة الماجستير والدكتوراه (511)خريجًا.
كما بلغ عدد الدارسين العُمانيين في مؤسسات التعليم العالي داخل وخارج السلطنة لذلك العام الأكاديمي أكثر من (126) ألف طالب، من بينهم أكثر من (5000) طالب في الدراسات العليا للماجستير والدكتوراه.
إنه طريق العلم الذي رفع بيوتًا لا عماد لها، والقوانين والأنظمة التي تُبقي المتعلّم مواظبًا اثني عشر عامًا على مقاعد الدراسة رفعت من شأن العلم. وما أثر مبدأ إلزامية التعليم إلى هذه المراحل هو ما جعل المواطن ينتهج هذا المسعى، ويرتقي بنفسه، ثم يتقدّم مجتمعه.
فلماذا لا يكون هذا النهج متعارفًا عليه ومُطبّقًا لدى صنّاع القرار في الأوساط التعليمية؟ وعلى رأسها مجلس التعليم، بأن يُقرّ هذا المبدأ اﻻلزامي أساسًا لتعليم العُماني، و أن يفتح أبواب التعليم الجامعي لكل خريجي التعليم العام، ليصبح التعليم من أجل التعليم، ومواكبًا ومتزامنًا مع التعليم من أجل العمل. بحيث يتم توفير الفرص حسب الاحتياجات الفعلية في سوق العمل، ومواءمة التخصصات المطلوبة فيه، مما يُقلّل من تضخّم طوابير الباحثين عن عمل، فلا بد دومًا من مراجعة سياسات التوظيف، وتجسيد الأنظمة والقوانين والتشريعات لصالح المواطن العُماني.
نحن في عصرٍ متغيّر: أن نكون أو لا نكون. وكيف لا؟ فنحن مجتمع له هويته الضاربة في القدم، أحفاد الفراهيدي وابن ماجد والسالمي وابن الذهبي الأزدي والطبيب راشد بن عميرة، وسلسلة من الأعلام الذين شكّلوا ملامح الهوية العُمانية عبر العصور. فالهوية العظيمة لا يقف أمامها التفوّق في هذا العالم المتغيّر. فلا يبقى إلا الأقوياء… ونحن كذلك.




