المقالات

مابين المشرط وعربات البرجر

بقلم: منى المعولي

انتشرت النكات وارتفعت أصوات التذمر وأمسينا كما يقال بالعامية ” محد طايق حد”.

ولخصها إبن خلدون ‏ بقوله : “إن الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها”.

وإن كان تعريف القهر هنا فضفاضا ولايمكن سكبه قياسا دفعة واحدة على مجتمعنا؛ إلا إنه علينا أن نعترف أن ناقوس الخطر قد دق باكراً، مما يتوجب علينا أن نعالج الثقب لا أن نعالج إفرازته وتبعاته.

تكمن مشكلتنا الحقيقية في تصادم الآمال مع الواقع؛ فتلتحم الخيبات مع اليأس، علينا أن نعترف أننا لم نكن فطنين بما يكفي حين أتينا لإستئصال الأورام المتفشية نتيجة تخبطات وارهاصات بدأت باكرا ونعاني تبعاتها حاضراً؛ وعلينا أن نستوعب أن الخلايا المتسرطنة حين تكوى لابد وأنها ستخلف حرقاً ووجعاً حتى ولو إلى حين .

يوجعني ويؤلمني أن أقول ما أقوله وأعلم كما أتيقن أن الكلام قد يثير حفيظة البعض بمقدار ما تتردد أصابع يدي وترتجف وهي تخط هذه الكلمات ولكن..

نحن نهرب عن مواجهة أنفسنا، ونسطر الأسباب، ونكيل اللعن على الظروف، ولكن علينا أن نعترف أنه لم يكن لدينا صوتا مسموعاً، كنا غافلون عن الكثير، فإذا بنا نستيقظ على حين غرة.

الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم متفاوتا هي ليست وليدة اليوم إنما هي ناتج هزيمة سنوات، وفي عمان الدولة النفطية قد بدت أتون هذه الأزمة على عدة أشكال وهيئات ولكن للأسف النتيجة واحدة، نحن كنا كمن يستمتع بالسنين السمان دون أن تتلونا إلتفاتة إلى الأعوام العجاف فتماهينا مع غفلتنا حتى غدت الموارد كصنبور ماء مهدور فتحت لعابر السبيل وشرب منها الطير وارتوى منها الغير وفي نهاية التدفق عطش صاحب البئر؛ ملخص ما أريد قوله أن ما نعانيه اليوم هو مصير حتمي لصمت الأمس، غير أننا لم نكن نشعر لأن الكي لم تكن تبعاته تصل إلينا، واليوم بعد أن اكتوينا بتلك التبعات فنحن نصرخ موجوعين، وحال لساننا يقول : لماذا نحن نتعاقب بجرم لم نرتكبه، وأنا أتفق نحن لم نرتكبه فعلا ولكننا كنا جزء من تفاقمه، إذن نحن نصرخ اليوم مقهورين ولكن لم يعد هناك سبيل لإخماد صراخ الكي لأننا في طور الكي حقاً.

وقد خاطب جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله شعبه قائلا: “سوفَ يشهدُ الاقتصادُ خلال الأعوامِ الخمسةِ القادمة معدلات نموٍّ تلبي تطلعاتِكم جميعا أبناءَ الوطنِ العزيز”.

فيا أبناء الوطن العزيز قولا وفعلا نحن مازلنا في أول الأعوام الخمس تلك؛ وأعلم أن المشرط موجع وأدرك أن الجرح ينزف وأعلم أن المسكنات أيضا هي حل مؤقت يخدر الألم ولكن لا يزيل العلة؛ لذا فبين المشرط والمسكن كان الإستئصال هو القرار السليم.

أعلم أن الجوع قاسٍ، وأدرك أن عربات البرجر والفطاير والمشاكيك والوجوه الحزينة تحت صفعات الشمس القاسية قد باتت تكسو الشوارع كظاهرة تعتادها النفس الموجوعة ولكن أعود لأقول نحن في طور العلاج المنتظر والمأمول والذي أقول حقا أتمنى فعلا أن يكون مؤقتاً.

أبناء وطني الأحباء.. كنا ومازلنا ولنبقى مع قيادتنا يد واحدة ونحن هم الأوفياء، نحن هم من بقينا نردد طيلة خمسين عاما “أوفياء من كرام العربِ”.

نحن نعم أولئك الكرام، نعم التعبير عن القهر حق مشروع والحديث عن الضيم حق مشروع، وشكوى بؤس الحال والعوز والفقر حق مشروع والتعبير الحر الذي لايضر حق مشروع
وحرية الرأي والانتقاد البناء حق مكفول بل مشروع وجميعنا نمارسه.

ولكن لتبقى عمان وسلطانها وأمنها وأمانها خط أحمر، ولنمهل سلطاننا ونسانده في هذه الخمس الأعوام التي تطرق إليها في خطابه وختمها بأبناء الوطن العزيز .

فعاونوه ولبوا النداء بالاستجابة، بالجد والاجتهاد وبالعون، باجتثاث مكامن الفساد، وبالصبر حتى يطيب الجرح فالكي وإن كان حارقاً، غدا سيتبعه الشفاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى