المقالات

كبرياءُ بايدن وعقدةُ نقصِ بوتين

بقلم: كمال الفهدي

ثلاثون عاماً من هيمنة القطب الواحد على العالم كانت كفيلة بولادة كبرياء أمريكي ـ غربي لا حدود له، كما كانت كفيلة بتوليد عقدة نقص لدى العدو القديم الجديد روسيا، هذان العدوّان اللدودان نزلا الآن إلى ساحة المعركة ولن تضع الحرب أوزارها حتى يتراجع الكبرياء الأمريكي ـ الغربي خطوة إلى الخلف أو تخفف روسيا من مرضها العضال المتمثل في عقدة النقص التي أصابتها بعد توقيع اتفاقية إنهاء الحرب الباردة وإعلان أن أمريكا والغرب انتصرا فيها.

إن بوتين لن يتراجع عن هذه الحرب حتى يرى بايدن على بعد أربعة أمتار على الجانب المقابل من الطاولة البيضاء التي يستقبل عليها ضيوفه الكبار ويمرّغ أنوفهم عليها، وبايدن بدوره لن يسمح كبرياؤه وكبرياء أمريكا أن تتمرغ أنفاهما على تلك الطاولة نفسها، فهي معركة عض أصابع من العيار الثقيل ويبدو أنه لن يصرخ أحدهما في الوقت القريب، أما أوكرانيا فهي الدغفل الذي سيموت تحت أقدام الأفيال المتصارعة، وستطحنها رحى الحرب مهما استصرخت واستنجدت، وما عليهم إلا أن يموتوا بشرف.

بوتين وروسيا متعطشان للدماء، فهما لا يدخلان أرض قوم حتى يحرقاها، فقد دخلا أفغانسان وأحرقاها، ودخلا سوريا وإلى اليوم منذ أكثر من عشر سنوات وهما يحرقانها، إن بوتين وروسيا أفران متنقلة، وليست أمريكا والغرب أفضل حالاً ولا أكثر رحمة، ولكن الفرق بينهما أن صوت العقل في الغرب قد يُسمع بين الفينة والفينة، أما روسيا فهي وطن الفرد الواحد والصوت الواحد الذي لا يرى ولا يسمع أحداً من حوله، فالشراسة وأخذ كل شيء بالقوة ودون رحمة والمبالغة في في القتل هي عناوين التدخلات الروسية في كل مكان.

عقدة النقص التي يعاني منها بوتين وروسيا هي الحسد من تفوق أمريكا والغرب وهيمنتهما على النظام العالمي، ولو أن أمريكا دعت روسيا إلى الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو للبّت روسيا الدعوة دون تردد؛ لأن الغرب سحرها وتريد أن تكون واحدة منه، ولكن أمريكا والغرب لم يفعلوا ذلك ولم يفهموا عقدة النقص الواضحة كالشمس التي تعاني منها روسيا، وتجاهل الغرب ما يظهر في عيون روسيا من الشوق إلى حضنه وعاملها معاملة المنبوذ إلى أن خرج بوتين عن صمته وقرر إظهار القوة التي تخفي تحتها الأمل والرجاء بأن تتنبه أمريكا والغرب إلى الغاية الحقيقية من كل هذه التصرفات.

إن روسيا تعلم أنها ليست البديل الجاهز لتسلُّم الراية من الغرب؛ لأنها ـ بكل بساطة ـ لم تسعَ يوماً إلا إلى زيادة التسلُّح، ففي حديث لبوتين قبل أيام قليلة لم يجد ما يتفاخر به على الغرب غير قوله: “إننا الوحيدون الذين نمتلك سلاحاً صاروخياً عابراً للقارات مخترقاً لجدار الصوت” كما تعلم روسيا أنها لم تقدم بديلا أفضل عن الرأسمالية الغربية، فالشيوعية التي آمنت بها سلفا لم تصمد أمام إغراءات الرأسمالية، بل صارت روسيا والصين وكل من آمن بالشيوعية منافقين لها، فيكونون في نواديهم وأحاديثهم وكتبهم وصحفهم شيوعيين، ويكونون في الواقع رأسماليين يلهثون وراء فكرة الثراء للجميع وفكرة السوق المفتوح وفكرة التجارة الحرة والاستثمار بلاحدود، إنهم لا يملكون ـ على حدِّ علمنا ـ ما يقدمونه للعالم من فلسفة اقتصادية ولا برامج تكنولوجية إنسانية ولا أبحاثاً تضاهي تلك الأبحاث العلمية والحيوية التي يكرّس لها الغرب ليله ونهاره.

إن التفوق الغربي واضح للعيان ولا ينكره إلا من يريد أن يحجب أشعة الشمس بالمُنخُل، وإن البديل ليس جاهزاً بعد، ولا يوجد بديل قادر على تسلُّم الراية إلا النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يغط قومه في نوم عميق ولا يسعون لإحيائه وتقديمه للعالم، وإذا ما أصرَّ بوتين على علاج عقدة النقص، فربما تذهب الحرب بعيداً وربما ينهار النظام العالمي، وعندها سيحلُّ فراغ كبير ربما يعيد البشرية قروناً إلى الوراء، وما على العالم اليوم إلا أن يحاول منع بوتين من إندفاعه، كما على العالم غير الغربي أن يبدأ بالتفكير الجادِّ في بديل جيّد يملأ الفراغ الذي سيحصل يوماً ما، فروسيا لن تهدأ حتى تدخل تحت عباءة الغرب أو تهدم كل شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى