المقالات

مشاريع من ورق

بقلم: منى المعولي

بعيدا عن لغة التشاؤم وقريبا من لغة العقل والمنطق، لم أعد أفرح كثيرا بالبهرجة الإعلامية لمشاريع الإستثمار ولست من هواة جلد الذات ولاتستهويني فقاعات الإنهزام ولا أروج لها ولا أدعي بأنني مصلحة، بل ربما أنا مواطنة أقل بقليل من نصف عادية، تحكم من خلال التجربة وتستشهد من الماضي ومن الأدلة المتناثرة وأفكار المشاريع المندثرة، لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي خازنة للأحداث، تخرج علينا بين الفينة والأخرى لتذكرنا بمشروع وأخر عليه علامة تساؤل واستفهام إنجاز، وعبارة “حد شاف المشروع هذا؟”

إذن لايمكن تفسير حالة امتعاضي الأنية إلا مجرد تراكمات من خذلان متكرر وأجندات مشاريع بقت كتصور واتفاقيات في الملفات والورق وبتوثيق حزين من وسائل الإعلام لكي يكون ذكرى افتتاح المشروع المقرر والذي غاب بفعل الزمن أداة ضغط وضحك على خيبات الذات وشاهد عيان ما شافش حاجة.

علينا أن نعترف إن لدينا مشكلة استثمارية لاينفع معها مكيجة القوانين ولا ذلك المسمى بقانون الاستثمار، فالأحاديث والقوانين الإنشائية ما لم يتم ترجمتها إلى واقع ملموس ومطبق، فلن نتجاوز العقبات المتكررة، لقد بقت البيئة الاقتصادية العمانية بيئة طاردة للإستثمار معرقلة للمستثمرين وستبقى على هذا المنوال ما لم يكن هناك اجتثاث حقيقي ورؤية جديدة لإجتثاث شبح البيروقراطية الذي يهيمن على مؤسسات الدولة.

فكيف تتوقع نجاح الاستثمارات في غياب البنى التحتية الميسرة لها، ونحن إلى اليوم لم ننفذ فكرة الحكومة الإلكترونية التي تنمي هذا المجال وتسرعه، نحن بقينا إلى اليوم عاجزين عن أن نخلق هيئة موحدة تختص بجميع التصاريح التي يطلبها المستثمر، فما زال من يفكر بإنشاء مشروع لدينا يعاقب على فكرته تلك وتتقاذفه الجهات والمؤسسات يمنة ويسار، حتى يعدل عن ما أراده أو يحتويه اليأس، ليس لشيء، إلا لأننا بيئة طاردة للإستثمار، ونعرقل المستثمر الوطني أو الأجنبي ثم نندب الحظ على الاقتصاد الهزيل، مع إننا نحن أول المتسببين في هذا الهزال.

خفض نسبة الضرائب أو الإعفاء ربما يكون عامل مساعد لتشجيع المستثمر ولكن التكلفة المبالغ فيها تزهق روح المشاريع وأصحابها، وكم من مؤسسات محلية سقطت وهي بالكاد تحبو، وخسر عشرات الشباب تجارتهم لأنهم لم يستطيعوا حتى تغطية تكاليف مشاريعهم، فإذا بهم وهم الذين أرادوا تلك المشاريع كمصدر للدخل تتحول إلى فخ ديون وخسارات وتيه.

مازال أمامنا الكثير لنفعله ونقوم به أولها الشفافية والمصداقية التي تبرهن على نيتنا الحقيقية لصنع قاعدة استثمارية تنموية قوية تخلو من الفساد الذي نخر في مؤسساتنا على مدى عقود حتى طغى عليها وقتل كل حياة، علينا أن ننظر للمناقصات المطروحة بتجرد ونقطع يد المصالح المتضاربة والمتمصلحة ونضفي نظام الحوكمة والمسائلة وحالة الفراغ والخواء المؤسسي الناتج عن الترهل المتسع في الجهاز الإداري في الدولة واستغلال ذلك الفراغ في تشغيل المؤسسات المعنية بما يضمن تقديم الأداء والإنجاز والتخلص من البيروقراطية الميتة المتشمعة مع الزمن.

الفوائد البنكية الغير مدروسة تقصم ظهر المستثمرين ولنا في الواقع شاهد بسبب ارتفاع نسبة الفوائد المالية هناك عجز واضح يتسبب بخسارات كثيرة ضاعت بأسبابها مشاريع وأغلقت مؤسسات.

لاتسعفني معلوماتي البسيطة لسرد كل التحديات والعرقلات الواضحة على الملأ، ولكن أستطيع أن أقول أننا ما لم نتجاوز كل تلك الفجوات فلا يمكن أن نفرح بمشاريع استثمارية داخلية أو خارجية، لأننا عاصرنا كثيرا من المشاريع المجهضة، ولم يعد هناك وقت للمزيد ما لم يكن هناك تغيير راديكالي شمولي حاسم يقضي على المعوقات ويقدم فرص حقيقية لنقول بعدها للقريب والغريب “أدخلوها مطمئنين، استثمروا فيها بسلام”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى