المقالات

ســذاجــة

بقلم:شريفة التوبي

قد تغضب لو قال لك أحدهم “إنك ساذج”، ستأخذ على خاطرك، لأن ذلك يعني انتقاص من شأنك واستخفاف بشخصك، لكن ماذا لو وصلت أنت إلى هذه الحقيقة، ماذا لو عرفت أنك ساذج حقاً، وأن كل سذاجة الدنيا متمثّلة فيك، ماذا لو وقفت أمام المرآة وحدّثك ذلك الواقف أمامك وهو ينظر في عينيك قائلاً لك أنت ساذج، ربما ستضرب المرآة بقبضة يدك لتكسر الزجاج على رأس ذلك الشخص اللعين الذي يهينك بكل جرأة ووقاحة، لكنك قد تتريث وتكفّ يدك عنه، فأنت في لحظة تواجه فيها نفسك، هي لحظة الإدراك التي لا تأتي إلا لمن نالهم رضى الله ومحبته؛ فيكشف لهم الحجب ويزيح عنهم الستائر التي كانت تختفي خلفها تلك الحقيقة، الحقيقة التي يراها الجميع ولا تراها، وكأن آخر من يعلم عن نفسك هو أنت.
كيف غفلت عن رؤية سذاجتك طوال هذه السنوات، كيف استهلكتك هذه السذاجة وكيف أفنيت سنوات عمرك وأنت تعيش بها، وما الذي جعلك تكتشف ذلك، لماذا في هذا الوقت بالذات؟
الوقت لا يهم، والسبب لا يهم، المهم أنك عرفت ولو كانت هذه المعرفة متأخّرة، وعليك أن تشكر الظروف التي قادتك لذلك الاكتشاف، فأن تعرف قبل موتك خير لك من أن تعيش ساذجاً وتموت ساذجاً، هذا إن لم تكن السذاجة نفسها سبب لموتك، وهي سبب قاتل على أية حال، وما أكثر اللذين قتلتهم سذاجتهم دون أن يُذكر ذلك في شهادة الوفاة.
أعتقد أن الإنسان يولد ساذجاً في طبيعته أو بريئاً كما نحبّ أن نجمّل الألفاظ، والسذاجة هنا ليست غباء ولكنها تلك الطيبة المتناهية التي تجعلك صادقاً جداً فوق احتمال كذبة الحياة وزيف ما فيها، فأنت ساذج حين سمحت لقلبك أن يسيّرك وعاطفتك أن تلعب بك، أنت ساذج حين فتحت نوافذ حياتك وسمحت لأحدهم أن يكون ريحاً تبعثر أوراقك المرتبة، أنت ساذج في حربك الخاسرة من أجل قضية خاسرة، أنت ساذج حين اعتقدت أن التضحية التي تقوم بها من أجل من لا يستحق شجاعة وانتصار، أنت ساذج حين ظننت أنك تستطيع تغيير شيء في هذا العالم وأنت عاجز عن تغيير نفسك، أنت ساذج حين اعتقدت أنك بقدر ما تعطي ستُعطى وبقدر ما تجتهد ستجد، أنت ساذج حين عشت الوهم أن الكلمة الطيبة تُخرج الثعبان من جحره ولم تعلم أنه الثعبان مهمته اللدغ وليس الاستماع للكلمات الطيبة، أنت ساذج حين ظننت أن الجميع يحبّك وأن الجميع سيبارك نجاحك ويفرح لك، ولم تعلم أن النجاح في مجتمعاتنا لا يقرّب الأصدقاء ولا يخلقهم بل يحوّلهم إلى أعداء؛ ليكونوا أول من يرمونك بسهام الضغينة والبغض والغدر، أنت ساذج لأنك تألّمت حين اكتشفت هذه الحقائق، وظننت أن العيب فيك وليس في الآخر. هل عرفت الآن أن السذاجة مؤلمة وقاتلة؟
أكثرنا لا يعلم عن أمر سذاجته شيئاً، وقليل منا من يعلم لكنه يتجاهل كي يعيش أو يتعايش، محتمياً بذلك الأمان المزيف، لكن ثق أنه ستأتي عليك لحظة تواجه فيها ذلك الساذج الذي يسكنك، وستتغير إلى درجة أنك لو التقيت بنفسك القديمة لن تعرفها وستقول في استخفاف ودهشة
– من ذلك الساذج الأحمق الذي قابلته في الطريق؟!
ويوماً بعد يوم ستتأكد أنك تغيّرت، وأن ذلك الساذج الذي كنت عليه لم يعد موجوداً، فمن كان بالأمس مهمّاً وعظيماً قد صغر شأنه في عينك حتى كأنك لا تراه، وتلك الحكايات التي كانت تبكيك ما عادت تثير شيئاً في نفسك، بل ستضحكك، وستصل إلى أن لا شيء تخشاه أكثر من العودة إلى ذلك الساذج الذي كنت عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى