المقالات

سؤال حيّرني كثيراً

للكاتب: كمال الفهدي

لماذا عدد العمانيين قليل جداً لا يزيد عن أربعة ملايين على الرغم أنّهم بنوا حضارة قوية امتدت لكثير من نواحي الأرض؟!

تدور الإجابة عن هذا السؤال حول عدّة إجابات مقترحة استنبتطها من عرض هذا السؤال للنقاش مع مجموعة من المهتمّين بالشأن التاريخي العماني.

الإجابة الأولى:
ربما لأن البيئة العمانية طاردة وقاتلة من حيث الطبيعة، فالمناخ قاسٍ لدرجة أن الأرض العمانية دائما تتعرض للجفاف ونقص الثمرات، وغالباً تجتاحها مجاعات وأمراض تقضي على ما شاء الله من الناس الموجودين فيها، لذلك لم يبق الكثير من العمانيين، ولن يكون في عمان انفجار سكاني مستقبلي؛ لأن مناخها ما يزال طارداً للحياة، فلا مياه دائمة ولا زراعة ولا ثروة حيوانية ولا ثروات طبيعية غير النفط الذي سينتهي يوماً ما، مع العلم أن اليمن ـ مثلاً ـ جارة لصيقة بعمان وعدد سكّانها أكبر بأكثر من عشرة أضعاف عدد السكان في عمان، إلا أن اليمنيين لم يصنعوا حضارة عابرة للقارات،صحيح أن لهم وجوداً هنا وهناك لكنه كان بغرض التجارة ـ غالباً ـ أما العمانيون فقد صنعوا حضارة عابرة للقارات واستغلّوا الظروف السياسية العالمية ليحكموا الشرق الإفريقي بعد خروج البرتغاليين منه.

الإجابة الثانية:
وهي مرتبطة بالإجابة الأولى، فبما أن المناخ العماني طارد للحياة، فإن أول فرصة لاحت للعمانيين بفتح باب الهجرة إلى الشرق الإفريقي وشرق آسيا اهتبلها العمانيون ونزحوا بأعداد كبيرة للبحث عن الرزق والعيش بالقرب من الموارد الطبيعية الدائمة الماء والخضرة، ويدل على ذلك بقاء الكثير من العمانيين وتكاثرهم في تنزانيا وكينيا ومدغشقر وزنجبار وغيرها، لقد هاجر الكثير من العمانيين وكوّنوا أسراً كبيرة وتكاثروا هناك وما عادوا يفكّرون في العودة إلى أرض عمان؛ لأن الوضع المناخي ما يزال كما هو لم يتغير.

الإجابة الثالثة:
لا يوجد سبب معيّن ولا يوجد سرٌّ أصلاً، وطبيعي جداً أن يصنع الحضارة أناس بعدد قليل، ومثال ذلك ما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حضارة، فقد مات وكان عدد الحاضرين في خطبة الوداع لا يزيد عن مئة ألف رجل، فصناعة الحضارات لا تتوقف على الكمّ بقدر ما تتوقف على الشجاعة والمجازفة والإيمان بالذات والثقة بالنفس والحكمة واستغلال الفرص المناسبة، لذلك فالعمانيون هكذا صفاتهم دائماً هم أصحاب شكيمة قوية وشجاعة وحكمة ومتصالحون مع أنفسهم وغيرهم، فلا تجدهم إلا فاتحين للحضارات بهدوء دون ضجيج ولا تهوّر، والأمر لا يتوقّف على أعدادهم.

الإجابة الرابعة:
إن حضارة العمانيين بحرية بامتياز، وكلما ابتعدت عن هذا النوع من الحضارة أفل نجمها وضعفت شوكتها، فالعمانيون ربابنة البحار يجوبونها للتجارة والحماية ومراقبة الخطوط البحرية، ما أكسبهم شهرة عابرة للقارات، فهم حرّاس التجارة الشرقية استعانت بخبراتهم الحضارات الأخرى، وهم بهذا الفعل كانوا يحتاجون لأعداد متزايدة من البحّارة، وبوجود البحّارة بالقرب من الشواطئ نتج عن ذلك انتقال العمانيين إلى شواطئ شرق إفريقيا وشرق آسيا وشبه القارة الهندية، فتوزّعوا بين تلك المناطق ما جعل من المنطقي تناقص أعدادهم في بلدهم الأم عمان وتزايد أعدادهم في تلك المناطق.

الإجابة الخامسة.
من المعلوم أن الحضارة العمانية قويت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، وهذان القرنان هما القرنان اللذان ظهرت فيهما الحضارة الأوروبية الغربية وراحت تطوف العالم بحثاً عن الثروات، وبما أن الأمر كذلك، فكانت الصدامات الحضارية لها جانبان من الآثار، فهي من جانب جعلت للحضارة العمانية اسماً بارزاً بين حضارات العالم، وهي من جانب آخر أدّت إلى مواجهات مباشرة مع الحضارة الغربية، ومن المعلوم أن المواجهات لا تكون ناعمة رقيقة، بل إن كل المواجهات كانت تحصد الكثير من الأرواح، ولم تتوقف المواجهات بين الحضارة العمانية والحضارة الغربية إلى وقت قريب لا يزيد عن ستّين عاماً من الآن، وهذه المواجهات أسفرت عن إزهاق أرواح العمانين بأعداد كبيرة، ما يفسّر تراجع أعداد العمانيين في الداخل والخارج.

هذه هي الإجابات المحتملة لذلك السؤال، فأي إجابة توافق أنت؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى