المقالات

الحاضر الغائب

بقلم: الدكتور سالم الشكيلي

اعتاد الناس على سماع مقولة ” الغائب الحاضر ” وألِفتها أسماعهم، تقال تعبيراً عن الشخص الذي يكون غائباً بجسده، لكنه حاضرٌ بأفعاله وخصاله الطيبة، ولكنني هنا سمحت لنفسي بأن قلبت معادلة العبارة إلى ” الحاضر الغائب ” وارجو أن أكون موفقاً فيما ذهبت إليه؛ قاصداً من ذلك التغيير أن يًعبّر عن مضمون ومادة هذا المقال، والذي كنت قد اتجهت لنشره على حسابي الخاص لأجنب أي وسيلة نشر إحراجاً ربّما قد تتعرض له، كما أنني لا أريد إثارة غضب أحد عليّ، فلم ارد منه إشارة تمييز لشخصي، ولا إحراجاً لأحد، قد يصيبه سهم المعنى عفواً، ولا أرمي به جهة بعينها، قد يمرق السهم بجانبها فتظن أنها المعنية، وإنما في كل مقالاتي – وكما يعلم الجميع – تدفعني مصلحة عمان التي تسيطر على عقلي وقلبي فينبري قلمي لتسطير ما يجود به يراع فكري وخلجات ضميري .

الإعلام العماني، هو الحاضر الغائب، واخص به الإعلام الرسمي بكل وسائله المرئية والمسموعة والمقروءة، فنهضتنا المباركة المتجددة شهدت منجزات عظيمة في كل ميادين الحياة، في التعليم والصحة والطرق والكهرباء والمياه والاتصالات وغيرها، إلا أنّ الإعلام لم يستطع مواكبة ذلك التطور، فهو متخلف عن هذه الإنجازات بمئات الأميال، عندما وضع نفسه في زنزانة اللون أو الاتجاه الواحد الذي يُظهر الجانب الإيجابي عند مناقشة القضايا الوطنية، وهو ليس بالأمر السيء فهذا من المحاسن الجميلة فمكتسبات الوطن لا يصح تجاهلها أو إغفالها بأي وجه من الوجوه، ولكنّ القضايا ليست كلها إيجابية ذات لون وردي، فلدينا يقيناً قضايا ذات وجه آخر، يميل إلى المنطقة الرمادية، وتشكل تحدياً ليس للحكومة وحدها بل للأمة بأسرها، ومناقشتها يجب ألا يخلق امتعاضاً لدى المسؤولين، ذلك أنّ النقاش والحوار النقدي الهادف البناء، تتفتق عنه حلول إذا ما تمّ الأخذ بها. فستفضي إلى إنهاء العديد من الملفات الإقتصادية العالقة مثل ملف الباحثين عن عمل والمسرّحين من أعمالهم، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الخانق والمقلق، الذي تعاني منه البلاد، فلدينا والحمد لله عقول عمانية مبدعة تستطيع ابتكار الحلول المناسبة ، ولم تكن مناقشة السلبيات أبداَ، تعتبر عائقاً في طريق التنمية .

ومما يلزم فهمه مما سبق، أنّ الصراخ والصوت العالي واللمز والغمز والتجريح، وأسلوب الهدم أثناء النقاش هي أفعال مرفوضة بالمطلق، وهي وسائل من لا حجة له يستعيض بها ذوو الأفكار الخاوية، كما أنّ التحريض وإثارة الفتنة ليست من طباع هذا المجتمع المتسامح والمحافظ على سمو الخلق في الأقوال والأفعال، نريد إعلاماً متوازناً، يبني ولا يهدم ، إعلاماً خلاقاً يخرج من زنزانة تعابير كراسة الرسم التي تعطى لطلاب المدارس، نريد إعلاماً متحرراً من المصطلحات المفروضة، فإنّ خرج عنها الضيف بتر كلامه بمقص المونتاج .

نعم، وأؤكد أن الإعلام العماني الرسمي، لم يواكب في مادته وطرحه وبرامجه تطور مناحي النهضة المباركة، وفكر الإنسان العماني، بل لا زال يعيش وكأنه يحاكي فترة الثمانينيات من القرن الماضي، واللافت للأمر أنّ بعض وسائل الإعلام الخاصة أصبحت حكومية أكثر من الحكومة، ولا ندري ما إذا كانت قد اختارت هذا الطريق على قاعدة مجبر أخاك لا بطل، أم أنها اختارت الطريق السهل، أم أنها قد طالتها يد الترويض .

إن هذا الحديث يقودنا إلى التساؤل عن قانون المطبوعات والنشر، الذي لم يعدْ يتناسب مع ما شهده الإعلام بكافة أشكاله، المرئي والمسموع والمقروء من تطور مذهل، ولماذا الحرص على بقائه؟ أم هناك من يحاول إبقاءه؟! أليس لدى الجهة المعنية الوقت الكافي لإعداد مشروع قانون عصري يحاكي المرحلة ويستجيب للتطور المتسارع في عالم التقنية .

هل تساءل القائمون على الإعلام، ماهو العائق لعدم وجود فضائيات تلفزيونية خاصة، حتى القناة الوحيدة التي كانت لدينا تمّ غلْقُها، بينما الإعلام الخاص في دول أخرى، أكثر من الإعلام الرسمي، أم أنهم يريدون ذلك ليريحهم ممّا يظنون أنه يسبب صداعاً هم في غنى عنه ؟

الإعلام الرسمي يا سادة، هو ملك للأمة يجب أن يتماشى مع فكرها وثقافتها وقضاياها، والإعلام ليس كله برامج ترفيهية وأغان، فحررّوه من زنزانة اللون الواحد وحدثوا تشريعاتكم وزنوا بالقسطاس المستقيم.
يرحمكم الله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى