المقالات

أنت تقرأ.. إذن أنت موجود


بقلم: غنية الشبيبية

قيل لأرسطو: كيف يمكنك أن تحكم على شخص؟ فأجاب: أسأله كم كتابا يقرأ وما الذي يقرؤه؟
يبدو المعيار الذي نهجه أرسطو في الحكم على الأشخاص معيارا منصفا إلى حد كبير… فبينما تبدو القراءة للبعض أمرا جانبيا ومغيبا بشكل شبه نهائي ولا تعد محكا معترفا به في التعاطي مع الآخرين، فإن أرسطو يعدها منهجا يهتدي بضيائه على كفاءة من يتعامل معهم..
ويتأتى ذلك الإنصاف من عظمة فعل القراءة وقدرته الباهرة على اجتثات الإنسان عقلا وروحا من براثن الجهل و الفوضى و زجه في طريق قويم يربأ بذاته ويصلح ما فسد من سلوكه..
وصدور حكم كهذا من فيلسوف عظيم كأرسطو لأمر طبعي، فهو المعلم الأول الذي قادته قراءاته وتأملاته في الكون والطبيعة إلى إثراء الفكر الإنساني بمؤلفات جليلة(الأورغانون) تهافت العلماء والفلاسفة من مختلف الحضارات البشرية على ترجمتها وفهمها وشرحها و ارتشاف الحكمة من قوانينها.
ولو تأملنا مقولته ثانية سنجده يشير إلى أمرين في غاية الأهمية فيما يخص فعل القراءة وهما : كم القراءة ونوعها.
و الكم مهم لا ريب، و القارئ المهتم هو من يصوغ لنفسه جدولا يسير على هداه حتى إذا أنقضى عام كامل يكون قد قرأ ما لا يقل عن عشرة كتب في أقل تقدير.
أما النوع فهو الأهم في رأيي، نوع الكتاب الذي تقرأه يحدد حجم التأثير المنتظر من ممارسة القراءة؛ لأننا من واقع قراءاتنا المتباينة نلحظ أن كتابا واحدا يظل زمنا غير قصير يفترش ذاكرتنا و يورق بين جنباتها حدائق المعرفة، وكتبا أخرى كثيرة لا نكاد نتذكر منها إلا أقل القليل. وهذا بالتأكيد يعود إلى حسن اختيار الكتب و الموضوعات.
وأعتقد أن الكتب الجيدة هي كتب الأصول من كل باب وموضوع، لأنها أشمل وأسبق وما عداه كلام مكرور و هذه النصيحة هي للمتخصصين أجل منفعة وأعظم فائدة، أما المبتدؤون فيقطفون ما تشتهيه الأنفس حتى إذا اعتادوا فعل القراءة و باتت عادة لا غنى لهم عنها فالأفضل أن ييمموا شطر كتب الأصول كما ذكرتُ آنفا حتى تتشبع عقولهم بالمعرفة الحقة من منابعها الأصيلة.
ومن الكتب اللذيذة قراءتها كتب الثراث العربي ذلك المورد القدسي الذي ما برح يبهرنا بتفوقه في شتى أصناف المعرفة الإنسانية ويبوح لنا بسرد عميق خرج من رحم حضارة سامية قدمت رهانا قويا على عظمة الفكر الإسلامي الذي يعلي من شأن العلم والتعلم.
وأخيرا لا يسعني إلا أن أقول انتقوا الكتب كما تنتقون سائر أغراضكم الحياتية فهي تستحق.. واسعوا في طلبها لأنها محك الحكم على شخصكم… فوجود الإنسان وكينونته ليسا بما يأكل ولا بما يلبس بل بما يقرأ ونقول أنت تقرأ إذن أنت موجود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى