المقالات

وقائع وأحداث صنعتها سلطنة الصمت العمانية!!!

بقلم:جمال الكندي

إن العلاقات الخارجية للدول تبنى على أساس معطيات معينة تكون المنطلق في إدارتها، مع أهمية الدور التاريخي والموقع الجغرافي لكل البلدان في مدى عمق وسطحية هذه العلاقات.
لقد برزت مؤخراً أقلام تنتقد سياسة سلطنة عمان الخارجية تجاه إيران وتجاه الأحداث التي تزاحمت على وطننا العربي منذ ما يسمى الربيع العربي، وقبل أن أبدأ بطرح فكرة المقال لنذكر بعض المعطيات والمفاهيم السياسية في إدارة العلاقات الخارجية التي تنتقد فيها سلطنة عمان بعلاقتها مع إيران.
السياسة هي فن التعامل مع الأخر، هذا التعامل يبنى على أساس معين يتفق عليه طرفان يحكمه التاريخ والاتفاقيات والمعاهدات، وحتى الحروب فيما بينهم ، وهي مخزون معرفي يكون الرجوع إليها في رسم الإطار السياسي العام بين الدولتين، فالتاريخ والجغرافيا عاملان رئيسان في إدارة العلاقات بين الدول، وإذا قلنا التاريخ نعني به قرونا وليس أجيالا قليلة في التعامل مع إيران حكمته مراحل عدة من التطور السياسي لعمان منذ أن كان يحكمها ملك، وإمام، إلى أن وصلت إلى نظام الدولة، هذا التاريخ نسميه المرجعية التاريخية التي يفتقدها من ينتقد سياسة سلطنة عمان في التعامل مع إيران.
علاقة سلطنة عمان مع إيران تتجنب أي تصرف سياسي أو اقتصادي يصدر من الجانبين يكون منطلقا لتوتر العلاقة بينهما، لذلك لم تشارك سلطنة عمان في الدعم العسكري والسياسي ضد إيران إبان الحرب الإيرانية العراقية، بل كانت بوابة الحل لكثير من أزمات المنطقة التي تكون إيران طرفاً فيها، فهي تساعد على ثبات الأمن الخليجي والإقليمي بشرط أن لا يؤثر ذلك على بعدها العربي وانتمائها للجغرافيا الخليجية .
وقائع وأحداث على سلطنة الصمت العمانية!! لندخل في عنوان المقال ولنذكر قليلاً عن أحداث الصمت العمانية في السياسة الخارجية، ونترك بعد ذلك الحكم برسم من يقرأ المقال هل يوجد صمت عماني يوصف بالضعف وغياب الموجه السياسي ؟؟.
هنالك دول على الخارطة السياسية تلعب دورا وظيفيا أملتها عليها مقتضيات التحالفات السياسية، فأصبحت لا تخرج من طوق هذه التحالفات ولو كانت عبءً عليها، وبالمقابل توجد دول بسبب تميزها الأيدلوجي وتاريخها السياسي ووقوفها على خطوط متساوية مع التباينات والتناقضات بين دول الإقليم، أوجدت لنفسها خطها السياسي المستقل الذي ميزها عن الآخر، فكانت كما يقال سلم الحريق الذي يستخدم في حالات الطوارئ، وهذا بسبب ثوابتها الوطنية .
سلطنة الصمت من هذه الدول، ولكن أي صمت نقصده ؟ إنه صمت العمل بدبلوماسية حل المشاكل بالطريقة العمانية: الصمت وتجنب الصخب الإعلامي، والنتيجة حل سياسي يرضي جميع الأطراف .
سلطنة الصمت استطاعت أن تقرب وجهات النظر بين إيران ومجموعة الخمسة زايد واحد وتمخض عنها الاتفاق الموقع بينهما قبل أن تخرج أمريكا منه والأمر بات معروفاً في وسائل الإعلام العربية والعالمية .
سلطنة الصمت كان لها موقف واضح إبان الحرب العراقية الإيرانية ولم تكن طرفاً على حساب طرف ولقي هذا الأمر الاحترام العراقي والإيراني بل كانت تسعى لإنهاء هذه الحرب .
سلطنة الصمت حينما احتلت العراق دولة الكويت شاركت في الجهد العسكري في تحريرها، ولم تقف على الحياد، لأنها تواجه محتلا لدولة خليجية في مجلس خليجي أسس للتعاون والدفاع المشترك.
سلطنة الصمت عندما بدأت ما تسمى – الثورة المسلحة في سوريا – لم تشارك لا بالمال ولا بالعتاد ولا بتسهيل من يريد الحرب في هذا البلد ضد الدولة الشرعية، فكانت الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تساهم بطريقة مباشرة أوغير مباشرة في تدمير الدولة السورية، بل كانت تستقبل وفد المعارضة السورية ووفد الحكومة السورية على أرضها لتقريب وجهات النظر، ومحاولة لحل الأزمة السورية، بينما كان الآخر وقوداً لهذه الحرب التي أثبتت أن المسلحين كانوا أدوات لتفتيت وحدة سوريا .
سلطنة الصمت أثبتت أنها صائبة في ما يجري في ليبيا فهي كانت من دعاة الحل السلمي وعلى أراضيها حاولت تقريب وجهات النظر بين من يحكمون ليبيا بعد حكومة الراحل “العقيد معمر القذافي ” وسلطنة الصمت لم تشارك في تمويل القصف الجوي للناتو على هذا البلد المنقسم اليوم بين الدول التي كانت تمول الحرب في ليبيا .
سلطنة الصمت لم تقاطع أوتحاصر دولة قطر، لأنها كبيرة ولا أحد يملي عليها توجهات سياسية معينة تحكمها الغيرة السياسية –ان صح التعبير- بل حاولت وتحاول التقريب بين قطر والدول التي تقاطعها .

سلطنة الصمت كان لها دور معين في حرب 1994 بين الشمال والجنوب اليمني التي تورطت بها دول ، غير أن عمان كانت هي المخرج، ومنفذ الحل لواحدة من تعقيدات الأزمة اليمنية، واستضافت السلطنة وقتها قادة الجنوب، بعد اتفاق خروجهم من اليمن، وهنا كانت عمان الوسيط والراعي لكثير من الاتفاقات اليمنية – اليمنية خلال أكثر من 4 عقود.
سلطنة الصمت تلعب نفس الدور الذي لعبته في حرب 1994 بين اليمنيين وتحاول تقريب وجهات النظر بين العسكريين المتقاتلين اليوم في اليمن ، وقد أثبتت صواب رأيها في عدم المشاركة في هذه الحرب العبثية فينا نراه من تقاتل يحصل بين الحلفاء في جنوب اليمن، فهي آثرت أن تكون المساعد في إطفاء حريق اليمن عوضاً أن تكون حطب نارها .
نعم إنها سلطنة الصمت ونفخر نحن العمانيون بانتمائنا إليها ، ونفخر كذلك بقائدها السلطان قابوس الحائز على جائزة السلام الدولية عام 1998 م من أمريكا كأول قائد عربي يحصل على هذه الجائزة ، وهو اعتراف دولي بدوره في قيادة دفة السلام العالمي، و 2007 م وللمرة الثانية يحصل السلطان قابوس على جائزة السلام، وهذه المرة من الجمعية الدولية الروسية ، وفي حصوله على هذه الجائزة التي قبلها دلالات ومعانٍ يدركها من يقرأ السياسة جيداً ويفهم فن العلاقات الدولية، فالحصول على جائزة السلام من أمريكا وروسيا المتضادتين أيدلوجيا وعسكرياً وسياسياً يعني أن الشخصية ذات توافق سياسي قلّما نجده عند المعسكرين، سلطنة عمان تعمل بصمت وهذه سياستها والنتيجة أنها تصنع السلام الدولي لا تشارك فيه فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى