المقالات

قواعد اشتباك جديدة في اليمن تغير استراتيجية الحرب فيها

بقلم:جمال الكندي

الحرب في اليمن خلال أعوامها الخمس مرت بعدة مراحل، هذه المراحل كانت المؤشر الدقيق في قياس مدى نجاح “عاصفة الحزم” و الأمل في رسم الاستراتيجية الصحيحة في التعامل مع “الحوثيين” وحلفائهم.
المتابع لمجريات الحرب في اليمن لا يقدر أن يفصلها عن ملفات الأزمات السياسية والعسكرية للمنطقة، كون هذه الحرب رسمت لنا محورين متصادمين سياسياً وعسكرياً هما : محور المقاومة والممانعة بقيادة إيران، والثاني هو المحور المتناغم عسكرياً وسياسياً مع أمريكا، وكلا المحورين له أجنداته الخاصة، أما مراحل الحرب في اليمن فنقدر أن نوجزها بست مراحل هي:
المرحلة الأولى : مرحلة الزخم العسكري والسياسي والإعلامي للحرب باليمن، فقد كانت الآلة الإعلامية للحلف العربي تعمل على مدار الساعة لتبرير الحرب، وإظهار الطرف الآخر بأنه يسعى لدمار اليمن عن طريق تنفيذه الأجندة الإيرانية، لذلك كان منظرو هذه الحرب يبشرون بأنها حرب خاطفة وسريعة لن تستغرق سوى أياماً قليلة وينتصر المحور العربي في اليمن .
المرحلة الثانية : وهي المرحلة التي أستوعب فيها الحلف العربي الخليجي أن حرب اليمن سوف تطول، وأنها ليست حرب أيام أو شهور بل قد تستغرق سنوات عدة ، وأمريكا أدركت كذلك أن حلفاءها الخليجيين لم يحققوا الهدف الاستراتيجي المنشود من الحرب في إبعاد أنصار الله من المشهد السياسي في اليمن وكسره عسكرياً، وهذا يعني إضعاف المحور الإيراني في اليمن .
المرحلة الثالثة : في هذه المرحلة بدأت تدرك الدول المشاركة في حرب اليمن أن هنالك مقاومة شرسة ومنظمة من قبل الجيش اليمني واللجان الشعبية و الشركة بين ” حزب المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس السابق “على عبدالله صالح ” قبل مقتله، وبين أنصار الله بدأت تظهر بفعالية قوةً عسكرية وسياسية تجابه التحالف العربي الخليجي في اليمن، وبهفي هذه المرحلة بدأت هذه الشركة في الداخل اليمني تحقق انتصارات على قوات هادي، ومن هنا تغيرت قواعد الاشتباك ضد أنصار الله فلا يكفي الجانب العسكري في محاربتها، بل لا بد من كسر تحالفها مع المؤتمر الوطني، وكانت عملية الانقلاب الشهيرة بمساعدة السعودية والإمارات من قبل الرئيس “علي عبدالله صالح” التي باءت بالفشل وكانت نتيجتها مقتل الرئيس اليمني السابق وبقاء حزبه في تحالفه مع أنصار الله.
هذه المرحلة أثبتت قوة وثبات أنصار الله في اليمن وبأنها رقم صعب ليس من السهل تجاوزه في اليمن، لذلك بدأت التصريحات من الأمم المتحدة عبر مبعوثيها بأنه لا حل عسكري في اليمن، وهذا كان بسبب فشل استراتيجية الزخم العسكري، والسياسي والإعلامي ضد أنصار الله وحلفائهم ، وفي هذه المرحلة وقبلها كان المسار السياسي التفاوضي قد بدأ يتشكل عبر الوسطاء، وكانت سلطنة عمان ومازالت الجهة المقبولة لدى طرفي النزاع في اليمن.
من معالم هذه المرحلة كذلك تأثر الحلف العربي بالأزمة الخليجية التي ألقت بظلالها عليه ونتج عنه خروج دولة قطر ، وخروج دولة قطر يعني خسارة صوت إعلامي مهم هو “قناة الجزيرة” التي أصبحت بسبب التباين الأيدلوجي مع إعلام دور المقاطعة لقطر هي الناقل لانتصارات أنصار الله بطريقة غير مباشرة بعد أن كانت ضمن جوقة إعلام التحالف العربي في اليمن .
المرحلة الرابعة : هذه المرحلة نسميها مرحلة الهجوم المكثف على العمق السعودي، والسيطرة على جغرافية غير يمنية في الجنوب السعودي. من هنا بدأنا نرى التفوق النوعي لصواريخ أنصار الله التي بدأت تهدد السعودية والإمارات ويحسب لها الحسابات السياسية والعسكرية ويتفاوض من أجل إسكاتها عبر تقديم تنازلات معينة، ظهرت بعد ذلك في بنية التحالف الخليجي، أما الجانب الإعلامي الحربي لدى أنصار الله فقد أصبح مهماً جداً وذا مصداقية، خاصةً عندما يعلن عن تطوير صواريخ وطائرات مسيرة لها القدرة في الوصول إلى أهداف حيوية واستراتيجية في السعودية والإمارات ، وهذا الأمر أدى إلى إرباك المشهد اليمني، وإرسال رسائل التهدئة خلف الكواليس لتحييد مناطق معينة عن هذه الصواريخ.
المرحلة الخامسة : وهي المرحلة قبل الأخيرة التي كان يعول عليها من قبل التحالف الخليجي في الضغط على أنصار الله وحلفائهم للجلوس على طاولة التفاوض حسب الشروط الخليجية، والطريق إلى ذلك كان عبر السيطرة على المنفذ البحري الوحيد الباقي للحوثيين، وهو ميناء الحديدة ومدينتها، فهذا الميناء يعدُّ الرئة التي يتنفس منها الشمال اليمني المسيطر عليه من قبل أنصار الله والسيطرة عليه تعني تحقق نصر استراتيجي كبير للحلف الخليجي، وقد فشلت هذه الاستراتيجية وخلقت معادلة عسكرية مهمة في عقول الساسة والعسكريين الذين يحاربون أنصار الله مفادها أن عدم تحقيق النصر في الحديدة والسيطرة على مينائها ومطارها -وهي المدينة السهلة المنبسطة- يعني إعلان الهزيمة في اليمن، فالذي لم يتحقق في الحديدة لن يتحقق في تضاريس وجبال صنعاء وما حولها.
هذا الأمر أدركه من أعطى الفرصة الأخيرة لهذا التحالف، وبعد أن تيقن من الفشل العسكري لحلفائه بدأت بوادر الحل السلمي تخرج من فشل معركة الحديدة، فشهدنا اتفاق السويد الذي وقع عليه طرفا النزاع في اليمن، ينفذ على مراحل مع وجود تجاوزات من هنا وهناك.
المرحلة السادسة : هذه المرحلة نسميها مرحلة تصدع الحلف الخليجي والتفوق الميداني لمحور أنصار الله، ففي الجنوب معارك بين قوات محسوبة على الإمارات وأخرى محسوبة على السعودية، وخسارة مواقع مهمة في لحج والضالع وغيرها، وأصبحنا نرى نصراً استراتيجيا يعول عليه في المفاوضات السياسية بعد أن كانت الحرب تأخذ منحى الكر والفر، ويعود هذا لظهور أسلحة نوعية لأنصار الله قلبت الموازين العسكرية للحرب وأجبرت حليف السعودية الأول بعملية انسحابات عسكرية يقول إنها تكتيكية ،وفي الواقع هي لتجنيب ضرب عمقها الجغرافي بالكثافة التي يستهدف بها الجنوب السعودي الذي صار امرأ واقعاً وينشر في الأعلام الغربي والخليجي .
من رحم هذه المرحلة سوف نشهد نهاية هذه الحرب، ولا أقول بانتصار فئة على أخرى، فلا يوجد منتصر في حرب اليمن، فالكل يدفع ثمنا غاليا من وراء هذه الحرب، ولكن بسبب تغير قواعد الاشتباك التي كانت من أهم أسبابها المعطى الميداني الجديد الذي تقاتل به أنصار الله في اليمن، فوصول صواريخها وطائراتها المسيرة إلى منابع الاقتصاد الخليجي خط أحمر عند الأمريكان غير من قواعد اللعبة، ولوقف ذلك لابد من وجود طاولة تفاوض حقيقية تخلق معادلة جديدة في العقل السياسي الخليجي بأن أنصار الله قوة سياسية وعسكرية فاعلة في المنطقة ولابد من إشراكها في العملية السياسية، وهذا يعني تكرر المشهد اللبناني، وهذا ما يزعج أمريكا وحلفاءها، وهو أمر واقع لابد منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى