المقالات

عُمان.. من القبيلة إلى دولة العدالة والمساواة!!

بقلم:أحمد المنظري

هناك العديد من دول العالم التي شهدت ولا تزال تشهد حروباً داخلية أو خارجية تعاني من مشكلة حقول الألغام الأرضية، وهي مشكلة تودي بأرواح مئات الأبرياء سنوياً كما تطلعنا وسائل الإعلام ونشرات الأخبار، الأمر الذي أدىّ بهيئة الأمم المتحدة إلى صياغة اتفاقية خاصة بمنع استخدام الألغام الأرضية، وذلك لما تؤدي إليه تلك الألغام من فقدان الحياة والإعاقات والنقص العام في أمن المجتمعات إلى جانب انخفاض مساحات الأراضي المتاحة للثروة الحيوانية والإنتاج الزراعي، وزيادة تكاليف النقل، والأداء الضعيف لجهود إعادة التأهيل والتنمية.
هذا بالنسبة للدول المنكوبة بالحروب وويلاتها وهي اليوم عديدة كما نعلم جميعاً، أما بالنسبة للدول غير المنكوبة بالحروب فهي تعاني من نوع آخر من الألغام الأرضية! تتمثل في المشكلات الاجتماعية التاريخية التي تتجاهلها الدول أو ترضى فيها بأنصاف الحلول، رغم أن التاريخ يقول لنا أن تجارب التنمية المستدامة في شتى أصقاع العالم منذ عصر التنوير في أوروبا قامت على حسم مشكلات الماضي وحلها بشكل جذري كشرط أساسي من شروط النهضة والمضي قُدُماً في مسيرة التنمية والتطوير، فبدون ذلك تكون الأراضي غير صالحة للتطوير وتزيد التكاليف ويضعف الأداء ويتضعضع الأمن كما يحصل مع حقول الألغام بالضبط!
في خضمّ الجهود المبذولة لصياغة استراتيجية عُمان 2040، وهي استراتيجية مستقبلية يراد منها نقل السلطنة إلى المرحلة القادمة من التنمية، نشر الأستاذ حمد بن سالم العلوي مقالاً خلال الشهر المنصرم بعنوان (ضبط القبائل والفخايذ والعشاير.. ضرورة ملحّة)، شرح فيه بإيجاز ما حصل في عُمان في ظل الانقسام التاريخي المعروف للقبائل العُمانية إلى هناوي وغافري وما ترتبت عليه من “آثار سلبية على صفاء النسب، فهناك قبائل ضمت قسراً إلى قبائل أكبر وأن المسألة قد تجاوزت طمس بعض القبائل” إلى ما هو أبعد من ذلك، وحث الكاتب جهات الاختصاص على “إعادة الأمور إلى نصابها”، فتلك القبائل تطالب الحكومة اليوم بإعادة اعتبارها كقبائل مستقلة وفق الأسس الرسمية المتعمدة لذلك لدى جهات الاختصاص في الدولة.
هذا الملف من الملفات الشائكة في السلطنة وليس من المبالغة والمغالاة أن نقول بأنه يمثل أحد حقول الألغام التي يجب أن يتم إزالتها كشرط من شروط استصلاح الأرض العُمانية لتطبيق استراتيجية عُمان 2040، أقول ذلك بالنظر إلى كون كاتب المقال يتحدث عن خبرة مباشرة في هذا الموضوع وكون مقاله ليس المقال الأول في هذا الموضوع، وبالنظر إلى تحركات سابقة لبعض القبائل العُمانية على المستوى المحلي وعلى المستوى الإقليمي وعلى المستوى الدولي، وجهات الاختصاص في الدولة على علم واطلاع بذلك، وهناك تقارير لبعض المنظمات الخارجية تتحدث عن المشهد القبلي العُماني لا تزال على شبكة المعلومات الدولية في هذا الشأن.
يتضمن الهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية الموقرة تقسيمات إدارية مختصة بهذا الموضوع، ولتفعيلها وضعت جهات الاختصاص خلال الفترة السابقة بعض الأسس في هذا الشأن غير أنها كما تشير مجريات الأمور خلال العقود القليلة الماضية لم تلتزم بتلك الأسس، فمع تعاقب أصحاب المعالي الوزراء الموقرين في وزارة الداخلية تمت الموافقة على بعض الطلبات ورفض أو تجميد طلبات أخرى دون مبررات واضحة، وتشير بعض الإحصاءات المنشورة مؤخراً إلى وجود مئات من الطلبات المتراكمة لدى الوزارة وراءها آلاف من المواطنين، تم تجميدها إلى إشعار آخر دون خطة أو برنامج زمني واضح للمواطن يعينه على الصبر والانتظار!
يحق للمرء بعد ذلك أن يتساءل كيف نخطط للمرحلة القادمة من التنمية والتطوير في السلطنة وملف مهم وشائك كهذا لا يزال عالقاً بعد أكثر من أربعة عقود من النهضة والتنمية؟ كيف نطمح في استمرار مسيرة التنمية واستدامتها وهذا الملف يعدّ خرقاً صريحاً لأحد أهم مبادئ النظام الأساسي للدولة وهو مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين كافة؟ أ ما آن الأوان لتحريك هذا الملف من خلال وضع نظام يعامل جميع القبائل العُمانية معاملة واحدة تحت مظلة دولة المؤسسات وسيادة القانون؟ أم أننا رغم الشوط الذي قطعناه في تأسيس الدولة ومؤسساتها القانونية الحديثة لا نزال ندير بعض شؤوننا بالأساليب القبلية لفترة ما قبل النهضة المباركة الذي أرسى دعائمها مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه؟
لا ريب في أن هناك أصحاب مصلحة في عدم تحريك هذا الملف، ومنهم مسؤولون حكوميون يعتبرون أنفسهم حراساً للوضع السائد ويعارضون المساعي المبذولة لتطبيق نظام موحد على كافة قبائل السلطنة، ولكن في نهاية المطاف لا بد أن نلتزم جميعاً بالقوانين وبالصالح العام، ليصبح هذا الموضوع والموضوعات المماثلة ضمن الاستراتيجية المستقبلية للسلطنة، فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى المزيد من التكاتف على مستوى السلطنة من أجل تحقيق أهداف التنمية واستدامة ثمار النهضة على المدى البعيد.
وكما أشرت في السابق، هذا الموضوع له أبعاد دولية وعدم التعامل معه بحكمة قد يؤدي إلى إنعكاسات سلبية على السلطنة بصفة عامة، فالسلطنة وقعت عددا من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وعدم التمييز بين الناس على أساس قبلي أو أي أساس آخر، من تلك الاتفاقيات الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها بموجب المرسوم السلطاني (1991/80) واتفاقية حقوق الطفل بموجب المرسوم السلطاني رقم (54/96) والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري بموجب المرسوم السلطاني رقم (87/2002) واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بموجب المرسوم السلطاني (42/2005) وغيرها من الاتفاقيات في هذا الباب.
وتشير بعض التقارير الدولية السابقة الصادرة في حق السلطنة إلى أن “لجنة القضاء على التمييز العنصري بالأمم المتحدة (الدورة التاسعة والستون، جنيف 31 يوليو- 18 أغسطس 2006) قد توصلت في استخلاصاتها النهائية بخصوص سلطنة عمان إلى مخاوف عديدة حول الممارسات العنصرية، وطالبتها، بناء على اتفاقية مناهضة التمييز العنصري التي وقعت عليها السلطنة، بإجراءات فعالة، تشريعية وقضائية وإدارية، لحظر وفرض عقوبات على التمييز العنصري، كما لاحظت عدم تقديم الدولة لمعلومات حول ضحايا التمييز والقضايا المرفوعة بهذا الشأن والعلاجات الخاصة بالتمييز العنصري”.
خلاصة القول هو أن كل المؤشرات تؤيد ما ذهب إليه الأخ الكاتب حمد بن سالم العلوي المذكور أعلاه، وينبغي على جهات الاختصاص أن تعيد النظر في مواقفها تجاه هذا الموضوع، وأن تتعامل معه بحيادية كاملة وموضوعية تامة وشفافية عالية بعيداً عن أصحاب المصالح الذين لا يزالون متشبثين بإرث قبلي بغيض فرضته على المجتمع العُماني ظروف المرحلة السابقة، خاصة وأنه حسب ما تشير بعض المصادر هناك تحركات قبلية جماعية حول هذا الموضوع بدأت مؤخراً في أكثر من اتجاه نظراً لعدم تجاوب وزارة الداخلية مع مطالبها التي تبدو وفق ما ورد أعلاه مطالب مشروعة تستند إلى التشريعات داخل السلطنة ومواثيق دولية وقعتها السلطنة تشرف على تطبيقها وزارة الخاجية الموقرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى