شكراً لمسؤولٍ يقرأ

بقلم: د. رجب العويسي

يأتي طرحنا للموضوع، في ظل القناعة بالقيمة المضافة التي تحققها القراءة في منظومة العمل المؤسسي عامة، وعلى استراتيجيات القرار الوطني بشكل خاص، وما تخرج به نتائج التقارير والدراسات الدولية والاقليمية والوطنية من مؤشرات وموجهات عمل وإطار تنفيذي، في جوانب العمل المؤسسي وقطاعات التنمية، يستدعي وجود مجتمع وظيفي قارئ، ومسؤول يقرأ، ويتابع نتائج الدراسات ومخرجات أجندة العمل بوعي وعمق حدس، في ظل امتلاكه لرؤية عمل واضحة، تستوعب ملامح الدور القادم، الذي ينبغي أن يتجه اليه عمل مؤسسته، في التعاطي مع نتائج هذه التقارير وتنفيذها، وفق إجراءات واضحة، وأدوات مقننة، وجاهزية مؤسسية تتناغم فيها سياسات العمل ومفردات الخطاب التواصلي، مع خطط التنفيذ وبرامج التشخيص، على أن ما وفّرته التقنية من فرص نشر المعرفة ، وما تثيره شبكات التواصل الاجتماعي، والاعلام الرقمي وغيره، من قضايا مؤسسية يومية، والتي تحمل في ذاكرتها العديد من الأفكار والمقترحات العملية، والأطروحات النقدية الداعمة لجودة العمل المؤسسي؛ تستدعي وجود مسؤول يقرأ ويُتابع ما يُكتب أو يُنشر أو يُتداول، قراءة واعية للواقع، متناغمة مع ما يفكر به إنسان هذا الوطن، ليترجمها في فقه العمل المؤسسي، مشخّصات للواقع، ومحددات للتنفيذ، وقرارات استراتيجية ورؤى تطويرية واقعية، وبرامج تتفرد بها خصوصية المؤسسة، لتبرزها في ثوبها المتجدد المتآلف مع معطيات التطوير، ومحددات الخطط الخمسية الوطنية.
من هنا لم تعد قراءة المسؤول اليوم ضربا من المستحيلات، أو سلوك ثانوي غير ملزم، أو نمط حياتي اختياري، قائم على المزاجية والرغبة بحسب الحاجة فقط، في ظل مسوغات حجم العمل وطبيعته، وكثرة الشواغل، والاجتماعات واللجان، أو حضور الفعاليات وغيرها مما تطلبه وظيفته؛ بل ينبغي أن تشكّل عادة يومية، موجهة بآليات عمل مقننة وأطر محددة، ومدخل يستعين به في إقرار رؤية العمل والياتها القادمة، واستشعار رأي المجتمع الوظيفي والمحلي في طبيعة التحول المنشود في عمل المؤسسة، لتبني القراءة، في المؤسسة مناخات الجودة، وتتيح في أروقتها، مسارات الفهم للتوجهات والسياسات والاجراءات المتخذة، وتعزّز فرص التواصل وعمليات الاتصال، ورصد للقدرات والمواهب والخبرات والتجارب التي تحتويها، فتشخّص الحالة المؤسسية برمتها، وتبني فيها حياة جديدة، وبيئة عمل جاذبة متجددة، يكثر فيها من يحملون المبدأ، ويتعمقون في فهم المعنى، ويتذوقون قيمة الكلمة، ويلتزمون منهج العمل الواعي بالنتائج المتحققة، عندها لن تكون أدراج مكاتب المسؤولين ورؤساء الوحدات ممتلئة بالملفات، مستعرضة الأوراق والاصدارات، إذ كل ذلك سيظهر في بلسم الكلمة وصدقها، وارتباطها بالعمل والانتاج، وصدق الممارسة، وقوة الدليل، وعمق الفكرة، وجودة العمل، ووضوح الأدوات، وتقارب الأفكار، وتناغم الأولويات، وحكمة التعامل مع المعلومات والبيانات، والرصد الدقيق للمؤشرات والاحصائيات، والاستجابة الواعية للتحولات التي ينشدها المجتمع، والجاهزية النوعية للتعامل، مع أي إشاعة، أو أفكار مغلوطة، أو أي قصور حاصل في عمل المؤسسة، بما ينعكس على تعامل المؤسسة، مع الموضوعات اليومية، والأولويات المطروحة من قبل المواطنين أو المستفيدين من خدمات المؤسسة، وتوليد طرق متجددة وبدائل واقعية مستساغة، لمناقشتها والحوار بشأنها، بعيدا عن الروتين المعتاد، الذي يكثر فيها القيل والقال والسرد والحشو، وضعف نتائج القرارات المتخذة ، مع ما تستهلكه من اجتماعات مطولة، وأوقات مهدرة، وجهود يُفترض توجيهها في مسارات عمل أخرى، بل تركيز على الخروج باستراتيجية عمل واضحة، ونتائج مقنعة، فتتقارب في ظل قراءة المسؤول، الأفكار بين الوحدات والإدارات والأقسام بالمؤسسة، وينتفي سوء الفهم الذي قد يتولد لدى المسؤول حول فرد بعينة، أو قضية أو موضوع ما، لقد أوجدت قراءة المسؤول في الجميع رغبة قوية للعمل معا، وتحقيق نتائج دقيقة، وتبنّي الفكرة في ظل مبررات، أو عدم قبولها في ظل معطيات ومسوغات مقنعة، فتمنح قراءة المسؤول بذلك المؤسسة، فرصة أعمق في التعامل مع التحديات والتوقعات والمنجز اليومي، بطريقة مبتكرة، واستثمار أكبر للوقت والجهد والموارد، بل ويطرح أسئلته الموجّهة على القائمين في الإدارات والدوائر والأقسام ، لما تحمله قراءته من فرص التقييم والمساءلة، ومنهج المتابعة والرصد، والتصحيح والتشخيص، لكل التحركات والتوجهات القائمة، بل سيضمن بقراءته الرد على التكهّنات المفتعلة، بشأن فجوة الاتصال الإداري مع المسؤولين أو رؤساء الوحدات، لتصبح قراءة المسؤول لغة خطاب راقية، تضيف لمسات التعلم الذكي والابداع الخلاّق، والقرار الحازم الحصيف، المبني على عمق التحليل والدراسة والبحث وتقدير المعرفة واحترام الانجاز الفكري الرصين، الذي سيشّكل بقراءة المسؤول ولادة جديدة للتجديد المؤسسي، لتتجاوز الاشكاليات الفكرية، ومعالجة الأزمات الناتجة من سوء الفهم، وسرعة الأحكام على الآخرين، عبر حوار الكلمة، وقوة البحث عن الدليل، واتساع مساحة الرأي، فتنتفي بغير رجعة، ممارسات تجاوز القانون، أو تشويه القيم، أو إقصاء الكفاءة، أو هدر الموارد، أو تعطيل القدرات.
ومع ذلك فإن واقعنا الوطني، يشهد نماذج مضيئة، وقصص نجاح، لرؤساء بعض الوحدات، في مؤسسات الدولة الشرطية والأمنية والعسكرية والمدنية وبعض مؤسسات القطاع الخاص، فقد أتاحت لنفسها فرص القراءة والاطلاع والبحث والتأمل في الواقع المؤسسي ، فكان لها تشخيصا لعملها، وتقييمها لمنجزها، وتوجيها لخدماتها، فانعكست مفردات ذلك على طابع العمل الناتج، والمنجز الذي رسم خطوط التناغم مع المجتمع الوظيفي والمحلي ، حتى أبرز تحولاً ايجابيا، في جاهزية مؤسساتهم، وتعاطيها مع الأفكار والمقترحات والآراء والملاحظات التي تبرزها الصحافة اليومية والقنوات الفضائية، وشبكات التواصل الاجتماعي أو الواتس أب، وحديث الشارع العماني، الذي يحمل عبارات التقدير لرؤساء بعض الوحدات، إنها قراءة المسؤول، التي احتوت الجميع، وأتاحت له الاتساع في النظرة، والحكمة في إدارة ملفات العمل، وتواصل واعٍ مع الكلمة الصادقة، والمعلومة الرصينة، والنصيحة الموفقة، والتوجيه الرشيد، والنقد البناء ، والتوضيح السليم لصورة الفعل، التي يُنتجها صنّاع الكلمة المؤمنين بمبادئهم، وأصحاب الأقلام الراقين في منهج عملهم، فشُكراً لمسؤولٍ يقرأ ويُتابع بعمق، وحُقّ له أن يجد نتاج ذلك استحقاقات تصنع من قراءته، حياة متجددة للمؤسسة، وفارق في نواتج عملها، ومحطة تنافسية واعدة لخير عُمان وتقدمها وازدهارها.