المقالات

تسجيلك لصوتك.. دليل إدانتك!

بقلم: المحامية ميمونة السليمانية

إنتشار العادات بين الناس لايعني بالضرورة صحتها!.. ومن بين هذه العادات المنتشرة في مجتمعنا أن الأغلب أصبح ينتمي لمجتمع التسجيل الصوتي على الهواتف النقالة..

أصبح معتادا أن نشاهد مناظر الناس تتهامس لأجهزتها النقالة دون استئذان الجالسين في محيطهم!.. وفي الأسواق نرى ناس تمشي والتسجيل شغال دون أي إكتراث أنها في مكان!

بغض النظر عن المبررات التي لاتجدي نفعا لهذا التصرف مثل أن التسجيل أقل تكلفة من الإتصال الفعلي حيث بتقنية الواتساب يتم تداول آلاف التسجيلات بسرعة البرق وبقيمة لاتذكر من باقة الداتا أو الإنترنت! وبغض النظر عن التعذر بأن الشخص المتحاور معه يستسهل هذه الوسيلة وبالتالي يضطر الآخرين للتجاوب معه بالصوت.. أو إنشغال الناس أو تسرعهم وتكاسلهم عن طباعة رسالة على الهاتف أو حتى تفادي الأخطاء المطبعية !!

إلا أن هناك أبعاد يتناساها أغلب مستخدمي التسجيل الصوتي الهاتفي..ونتلقاها نحن من نعمل في المهنة القانونية والمحاماة. سأشارككم مواقف مبسطة عن تجارب وقع فيها أصحابها في المحظور وصنعوا أدلة إدانتهم..بأيديهم..لابل بأصواتهم !

الموقف الأول: زوجين متخاصمين حد القطيعة والأحداث تتجه بهم نحو الانفصال.. تحتد الأعصاب وينزلق العديد للغضب وفقدان الأعصاب.. والنتيجة؟ معركة صوتية فاضحة ومسجلة على الهواتف النقالة. فبينما جمع الرباط المقدس هذين الشخصين يوما ما..وربما بينهما من الأبناء ممن نجتهد نحن كمحامين في إعتبارهم الأولوية القصوى في هذه الحالة..إلا أننا ننشغل بحل معضلة جريمة إلكترونية ارتكبها أحد أبويه بالسب أو الإهانة أو التشهير..لاسيما عندما يخونه أحد الطرفين ذكاؤه وربما ضميره بقيامه بنشر المقطع إلى الآخرين مما يشكل جريمة وفق المادة 16 من قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (١٢ /٢٠١١) والتي تنص على أن ” يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف ريال عماني ولا تزيد على خمسة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين ، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات كالهواتف النقالة المزودة بآلات تصوير فـي الإعتداء على حرمة الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد وذلك بالتقاط صور أو نشر أخبار أو تسجيلات صوتية أو مرئيـة تتصل بها ولو كانت صحيحة ، أو فـي التعدي على الغير بالسب أو القذف”.

ومالايعلمه مرتكبو هذا النوع من الحماقات ، أو بالأحرى الجرائم الإلكترونية، أن التسجيل الصوتي بين الطرفين لايشكل جريمة ” تشهير ولا إعتداء على الحرمة” بحد ذاته..إلا أنه وفور مشاركة الآخرين للمقطع تكتمل أركان جريمة يتحمل تبعاتها ويندم حيث لاينفع ندم! وكل ما ذكرته في الموقف الأول ينطبق سواء كان التشهير أو الإعتداء على حرمة الحياة الخاصة كان بنشر مقطع صوتي أو مقطع مرئي. كما أن العقوبة لاتفرق بين كون التصوير أو المقطع الصوتي صحيحا من عدمه فعل التشهير والإعتداء على حرمة الحياة الخاصة أو العائلية يظل قائما كجريمة يعاقب عليها القانون!

الموقف الثاني: قيام أطراف في عالم التجارة بالإتكال على الرسائل الصوتية عبر الواتساب في التعاقد التجاري.إأن مجرد الجملة السابقة كافية بإيصال مدى حماقة هذا التصرف. لايعقل أن يقوم شخص في عالم التجارة بالإعتماد على رسائل صوتية لترتيب آثار وتبعات تعاقدية ومالية ملزمة في مواجهة الآخرين فقط بالإعتماد على رسالة صوتية. عندما جلست مع أحد العملاء وهو الجامعي المثقف المحترف التاجر.. إكتفيت بسؤال مباشر: عندك مايثبت أنه تعاقد معك حتى تبدأ بتنفيذ العقد وتتكبد تكاليف إنجاز العمل؟ أجابني بسذاجة.. أيوة عندي طبعا: بسمعك المقطع الصوتي بتاريخ كيت..كيت..حيث وافق على أن أستورد له بضاعة قيمتها عشرات الآلاف من الريالات وقابلة للتلف! نظرت إليه بعتب وأخبرته: “سنحاول حل هذه المسألة عبر إرسال رسالة بتوقيع شركتكم للمفوض بالتوقيع في الشركة التي تطالبها”. أردت تخفيف وقع الصدمة عليه وتدارك مايمكن تداركه. فالتسجيل الصوتي من شخص اتضح أنه غير مفوض بالتوقيع ! ناهيك عن أن الأمر يستدعي سوابق قضائية تدعم موقفنا في حال ضعف التسجيل الصوتي كدليل أمام القضاء أو الطعن به من قبل الخصم.

خلاصة القول: المثل الشائع يقول “خير الكلام ما قل ودل” وأنا نصيحتي القانونية لكم هذا الأسبوع : ” خير الكلام ما قل ودل ..وطبع.. وليس ما تم تسجيله صوتيا” لاسيما في الحوارات التي تترتب عليها آثار قانونية في عالم التجارة أو تتصل بإنتهاكات خصوصية الأفراد أو الإعتداء على حرمة العائلة.

تذكر تسجيلك الصوتي فور إرساله ولو لشخص واحد فقط ..فقد خرج عن سيطرتك وبإمكان أي ما كان الاحتفاظ به لأطول فترة يشاؤونها كما أنه كفيل بإحراجك وبالإمكان إساءة استخدامه في غير محله! لاتدع نفسك ضحية ولامرتكبا لفعل مجرم.. بصنع يدك..وبصنع صوتك!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى