المقالات

المساجد.. منارة إسلامية وشاهد على مسيرة العلم والتعليم

بقلم:بشائر العزرية

تعد عُمان من أوائل البلاد التي أعتنقت الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد بعث الرسول عمرو بن العاص الى جيفر وعبد إبني الجلندي، حاكمي عُمان حينذاك، يدعوهما إلى الإسلام فإستجابت عُمان للدعوة ودخلت الإسلام فأصبحت إحدى قلاع الدعوة الإسلامية وحصناً من حصونها طوال قرون طويلة ويرجع إلى أهلها الفضل في نشر العقيدة الإسلامية في الهند والسند وأفريقيا.
إن المساجد نقطة تحول في حياة الأمة العربية فقد تربى الفرد في أحضانها وتتلمذ في مدارسها ونهل من معين علومها، فهي سبب نهضتنا كأمة، لذا فإن المساجد هي أطهر بقاع الأرض وأحبها إلى الله، أذن أن ترفع ليذكر فيها أسمه، ويسبح فيها بالغدو والأصال، وهي أحب الأماكن إلى قلب كل مسلم، ففي رحابها تسمو النفس وتهدأ وتسكن جوارحه، ويطمئن قلبه، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ).
إن أول مسجد بني في عُمان في العام السادس الهجري، وهو مسجد “المضمار” الذي بناه الصحابي الجليل مازن بن غضوبة بولاية سمائل، ومنذ ذلك التاريخ لم يتوقف بناء المساجد وحتى يومنا هذا، إذ وكان هذا المسجد نقطة البداية لانتشار المساجد وعمارتها في هذا البلد الطيب وتعاقبت الأيام والسنوات والمساجد تزداد إنتشاراً وتطوراً في أحجامها ومحتوياتها. ومنذ أن تفجرت النهضة المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، أولى جلالته المساجد جل إهتمامه، فأمر برفعها وعمارتها على نفقته الخاصة، فأنتشرت في كل بقعة من بقاع السلطنة شاهدة على علو مكانه المساجد وعظمتها، إلى جانب التوجيهات السامية المستمرة بشأن المساجد التي تؤكد مدى حرص جلالته على بيوت الله. ومن خطاب جلالته: (وكانت المساجد هي المنبر التي يعلو منها صوت الأرشاد والساحات التي يجتمع فيها المسلمون ليعلموا ويتعلموا ويؤدوا الفرائض لله ويحمدونه… والمساجد مكان التعارف بين المسلمين والتشاور والتواد لذلك أمر الله عز شأنه بتعظيمها واصطفاها لنفسه فقال: ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )، ومن حرصنا على نمو الدين وتنمية كلمة الموحدين شجعنا بناء المساجد لتكون منارا لشبابنا الناشئين وهداية للمتعلمين).
إن المساجد منارة علم وتعليم وهي أماكن عبادة وتعبد، ولها أثرها وإرتباطها بكافة شؤون العباد ودورها أساسي في حياة الإنسان. فقد برزت العمارة الإسلامية كفن متميز له طابعه الذي يعبر عن خصوصيه، ويعتبر المسجد محور العمارة الإسلامية وتشهد بذلك معظم المساجد، ومن أروع النماذج قبة الصخرة في بيت المقدس والتي ظلت وستظل مصدر إعجاب ورمزاً لروعة الفن المعماري، والمسجد الأموي، وجامع قرطبة في الأندلس، ومسجد السلطان أحمد في إسطنبول.
إما المساجد في عُمان كانت تتميز في السابق بعدم وجود منارات عالية بل يوجد إمتداد لسقف المسجد على إحدى الزوايا وهو إشارة للمسجد، ومن النماذج التي تدل على عراقة هذا البلد وإزدهار الفن المعماري فيه قديماً “مسجد الشواذنة” والذي يقع في حلة العقر بولاية نزوى، والذي يمثل محرابه روعة فن الزخرفة والإتقان الفني وهذا المسجد كان بمثابة صرح علمي تخرج منه الكثير من العلماء والأدباء والمفكرين وتتلمذ فيه الكثير من الفقهاء الذين كانوا مصدر إشعاع في الأرض العُمانية.
وتعد جوامع السلطان قابوس كأحد معالم النهضة المباركة تضاف الى مكارم عهد جلالته الزاهر. فقد يمثل جامع السلطان قابوس بولاية صحار نموذجاً معمارياً حديثاً وهو أخر جامع الى الآن بني بنفقت السلطان الخاصة، والذي جاء كأحد المعالم الحضارية والمنارات الإسلامية التي تشهدها السلطنة في ظل النهضة المباركة. وأقيم جامع السلطان قابوس بصحار على النمط المعماري للجوامع المشيدة في مدن هامة في التاريخ الإسلامي مثل بخاري وسمرقند وطقشند إلا أن الجامع ليس مطابقا حرفيا لأي من الجوامع الأخرى خاصة في حجمه وفخامته وقد تم اختيار هذا الطراز لجامع صحار نظراً لما يتميز به هذا الطراز من قوة وثراء في الزخارف الفنية الدقيقة والإبداع الفني والمستوى العالي من الدقة والتناسق في استخدام الأشكال الهندسية والزخارف الزهرية المستوحاة من النباتات والألوان الزاهية كما أن هذا الطراز يعكس المكانة التي تليق بتاريخ ولاية صحار.
وتضم بقيت جوامع السلطان قابوس إضافة الى ما تحويه من ضخامة البناء وفرادة الأنماط الزخرفية التي تم استنباطها من فنون العمارة العُمانية والإسلامية والفن الحديث ومخطوطات قرآنية محفورة وتصاميم هندسية رائعة، كما تضم قاعات صلاة رئيسية وبالإضافة إلى مصليات للنساء ورواق جانبي يتوسطه صحن مغطى بمظلة، وبعضها تشمل صحنين مفتوحين ، كما تحتوي تلك الجوامع على مكتبات وفصول دراسية ومكاتب للصيانة ومكاتب لإدارة الجوامع وغرف للحراسة وقاعات متعددة الأغراض ومساحات لأعمال التشجير ومسطحات خضراء وأعمال خارجية ومواقف السيارات.
كانت المساجد وستظل رمزاً لوحدة هذا الأمة وترابطها، وحمى يلوذ به كل مسلم يرغب في مناجاة ربه وعبادته، ومدرسة يتلقى فيها المسلم العلم الدنيوي والأخروي، وكذاك يتلقى القيم الأجتماعية، فالمسجد هو حياة المسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى