احتكار الأدوية في الصيدليات الخاصة…. وتحديات العدالة الصحية

بقلم : علي المجيني ” تربوي وخبير تخطيط”
الصحة هي أساس العافية، والدواء ركيزة لا غنى عنها في رحلة العلاج. لكن حين يتحول الدواء من حق إنساني إلى عبء مالي، يصبح السؤال مشروعًا ، فكيف يُترك المواطن أمام رفوف الصيدليات الخاصة مذهولًا من أسعار قفزت إلى مستويات فلكية، تصل أحيانًا إلى ثمانية أضعاف مقارنة بدول أخرى، بل إن بعض هذه الأدوية تُباع للمستشفيات الحكومية نفسها، فيتضاعف العبء على ميزانية الدولة .
إن غياب آلية رقابية صارمة على تسعير الأدوية، واعتماد الصيدليات الخاصة على استيراد مباشر بأسعار غير مقننة، وضعف الشفافية في العلاقة بين الموردين والجهات الصحية، كلها عوامل أسهمت في خلق سوق غير متوازن يفتقر إلى العدالة الصحية.
المواطن لا يريد تصريحات متكررة، بل يريد حلولًا عملية تعيد الثقة، وتضمن أن يكون العلاج ليس مطلبًا أساسيًا فحسب، بل حقًا أصيلًا.
ومن أبرز الحلول الاستراتيجية أن تقوم وزارة الصحة بمتابعة أسعار الأدوية لدى الشركات العالمية التي تستورد منها الصيدليات الخاصة، والعمل على تحديد أسعار عادلة وموحدة للبيع في جميع الصيدليات، بما يسهم في كسر الاحتكار وإعادة التوازن إلى السوق. ولا يكتمل هذا الإصلاح إلا بتشريع قانوني واضح تنفذه الوزارة، ينظم تسعير الأدوية ويلزم الصيدليات الخاصة بالالتزام بالأسعار الرسمية، بما يعزز الشفافية ويعيد الثقة بين المواطن والجهات الصحية.
وتتبع ذلك وسيلة أخرى لا تقل أهمية، تتمثل في الرقابة الميدانية المباشرة عبر زيارات مكثفة للصيدليات الخاصة، ومقارنة الأسعار المعروضة بالأسعار المعتمدة، وفرض غرامات على المخالفين، وهي خطوة عملية لإعادة الانضباط إلى السوق.
ويكتمل هذا النهج بمنظومة مبتكرة تشرك المواطن في الرقابة، من خلال قيام وزارة الصحة بتصميم تطبيق إلكتروني — يحمل مثلًا اسم دوائي — تُدرج فيه الأسعار الرسمية المعتمدة، بحيث يتيح للمواطن معرفة السعر الحقيقي لكل دواء، ومقارنته بالسعر المعروض في الصيدلية، وتقديم بلاغ فوري عند وجود أي تجاوز، على أن يرتبط التطبيق مباشرة بالوزارة لضمان سرعة الاستجابة.
إن ملف أسعار الأدوية ليس مجرد قضية اقتصادية، بل هو قضية عدالة صحية بامتياز. و وزارة الصحة مطالبة اليوم بأن تتحول من دور المراقب إلى دور الفاعل، وأن تكسر احتكار سوق الأدوية، وتعيد التوازن، وتضمن أن يكون الدواء المتوافر في الصيدليات الخاصة في متناول الجميع بلا استغلال ولا احتكار.
فالعافية لا تتحقق إلا حين يصبح العلاج متاحًا، والدواء في متناول اليد، والحق في الصحة مصانًا كجزء من الكرامة الإنسانية.




