هل عادت التجارب النووية حول العالم؟

وهج الخليج – وكالات
أشارت الباحثة اندريا ستريكر إلى تصريحات كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومدير وكالة الاستخبارات الأمريكية جون راتكليف التي أفادت بأن خصوم أمريكا يجرون تجارب نووية على مستوى منخفض ويحصلون على ميزة على الولايات المتحدة في تحديث ترساناتهم.
وقالت ستريكر ، هي نائبة مدير برنامج منع الانتشار والدفاع البيولوجي وزميلة باحثة في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، إن الولايات المتحدة تعتبر هذه التجارب من جانب روسيا والصين انتهاكا للوقف الطوعي للتجارب النووية ذات العائد الصفري الذي التزمت الدول التي تملك أسلحة نووية بالتقيد به منذ حقبة تسعينيات القرن العشرين. وفي رد جزئي على الأقل ،أعلن الرئيس الأمريكي في 29 أكتوبر عن تجارب نووية أمريكية جديدة. وبينما يمكن أن يمثل إعلان ترامب تغييرا جذريا في موقف الولايات المتحدة، فإن الأنباء عن الأعمال السيئة من جانب موسكو وبكين ليست بالشئ الجديد. وأشارت تقارير وتقييمات الحكومة الأمريكية منذ عامي 2019 و2020 على الأقل، على التوالي، إلى أنه من المرجح أن روسيا والصين تقومان بتجربة أسلحة نووية على مستوى منخفض ، بما يتطابق مع النتائج الأخيرة التي توصلت إليها وكالة المخابرات المركزية. ومن ثم ،أوضح وزير الطاقة كريستوفر رايت أن التجارب الأمريكية لن تشمل تجارب مشابهة على مستوى منخفض، تتضمن تفاعلات نووية متسلسلة وتنفجيرات قصيرة أو مستمرة . ومع ذلك، يبدو أن روسيا تأخذ إعلان ترامب على محمل الجد. وفي الخامس من نوفمبر الجاري ، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المسؤولين بإعداد خيارات لاختبار الأسلحة النووية التي لدى موسكو . ونظرا لأنه يبدو أنه لم يتم حسم هذه المسألة ــ التي تثير اضطرابا بين خصوم الولايات المتحدة وحلفائها على حد سواء ــ فإنه يجب على الولايات المتحدة أن توضح ما إذا كانت تتحول صوب التخلي عن التزامها القائم على مدار أكثر من ثلاثة عقود بالامتناع عن التجارب النووية منخفضة المستوى. وياتي هذا الارتباك من منشور لترامب في 29 أكتوبر الماضي على موقع “تروث سوشيال”، قال فيه” بسبب برامج الدول الأخرى الخاصة بالاختبارات ، أصدرت تعليماتي لوزارة الحرب بالبدء في اختبار أسلحتنا النووية على قدم المساواة”، في إشارة بصفة خاصة إلى الأنشطة النووية التي تقوم بها روسيا والصين.
وفي مقابلة مدتها 60 دقيقة، أوضح ترامب أنه بينما يفضل “نزع السلاح النووي” – مشيرا على الأرجح إلى تخفيضات في حجم الأسلحة النووية – فإنه لا يريد أن تكون الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي لا تجري تجارب. وقال ترامب : “روسيا تجرى تجارب والصين تجري تجارب، لكنهما لا تتحدثان عن ذلك “. وأضاف: “إنهما تجريان تجاربهما تحت الأرض، حيث لا يعلم أي شخص ما يحدث بالضبط”، كما حدد كل من باكستان وكوريا الشمالية كدولتين تجريان مثل هذه التجارب. وأكد على أنه يتعين على الولايات المتحدة أيضا أن تجرى تجارب على الأسلحة النووية لضمان قدرتها وفعاليتها. ونظرا لآنه لم تجر أي دولة سوى كوريا الشمالية تجارب نووية على نطاق واسع منذ حقبة تسعينيات القرن الماضي، فإن من المرجح أن ترامب كان يشير إلى تجارب سرية تحت الأرض، منخفضة الطاقة ، تحدث تفاعلا نوويا متسلسلا قصيرا أو مستمرا، وانفجارا ضئيلا، وهو ما أكده راتكليف على ما يبدو.
ومن غير المرجح أن يتم اكتشاف هذه التجارب من خلال الشبكة العالمية لأجهزة الاستشعار الزلزالي وغيرها من أجهزة الاستشعار المصممة لرصد الانفجارات النووية وتطبيق معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية المبرمة عام 1996. ومن بين الدول الخمس المعروفة بامتلاكها أسلحة نووية، وقعت الولايات المتحدة والصين على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، لكنهما لم تصادقا عليها، بينما صادقت عليها روسيا ثم سحبت مصادقتها عام 2023. وصادقت المملكة المتحدة وفرنسا بالكامل على المعاهدة؛ ومع ذلك، ونظرا لعدم كفاية المصادقات ، بما في ذلك مصادقات الدول المسلحة نوويا في الواقع ودول أخرى، فإن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لم تدخل حيز التنفيذ بعد.
وبموجب بروتوكول عام 1990 لمعاهدة حظر التجارب النووية، يتعين على روسيا والولايات المتحدة أيضا إخطار كل منهما الأخرى والسماح بالتحقق من أنشطة تجارب التفجير النووي. وقال وزير الطاقة رايت في الثاني من نوفمبر ، في إشارة إلى اختبارات التصميمات النووية الأمريكية الحديثة: “إن الاختبار الذي سنجريه سيتم على أنظمة جديدة”. وأضاف: “هذه ليست انفجارات نووية، بل ما نسميه انفجارات غير حرجة، أي أننا نختبر جميع الأجزاء الأخرى من السلاح النووي للتأكد من فعاليتها”.
ولن تتجاوز مثل هذه الاختبارات من الناحية الظاهرة عتبة اختبارات العائد الصفري الأمريكية الحالية. ولكن بدلا من ذلك سوف تهدف إلى ضمان فعالية وسلامة المخزون النووي الأمريكي مع المتفجرات بدون إحداث تفاعل متسلسل و انفجار نووي، على عكس ما تشتبه واشنطن في أن بكين وموسكو تقومان به
وتعتمد الولايات المتحدة على أجهزة الكمبيوتر العملاقة، وعمليات المحاكاة، وغيرها من الأساليب التجريبية لإجراء مثل هذه الاختبارات ذات العائد الصفري. وهناك نقاش طويل الأمد داخل مؤسسة الأمن القومي الأمريكية حول مزايا استئناف التجارب النووية منخفضة المستوى، كما يفعل الخصوم، مقابل الحفاظ على وقف التجارب النووية ذات العائد الصفري لمنع تصعيد التجارب العالمية. ويسعى مؤيدو الاختبارات النووية منخفضة المستوى إلى مواكبة البيانات الخاصة بالرؤوس الحربية التي يمتلكها الخصوم لتعزيز الترسانة النووية الأمريكية المتقادمة وتعزيز قوة الردع.
وعلى سبيل المثال، اعترفت الأكاديمية الوطنية للعلوم في تقرير صدر عام 2002 بأنه بأنه رغم أن التجارب النووية ليست جوهرية ، يمكن أن يكون الاختبار بمثابة شهادة على “أداء التصاميم الجديدة على مستوى الثقة المرتبطة بالأسلحة المخزونة حاليا”. ومع ذلك، أكدت الإدارة الوطنية للأمن النووي في الولايات المتحدة ثقتها في أن التقنيات التكنولوجية الأمريكية واكبت التقدم لضمان موثوقية الترسانة النووية ــ بما في ذلك التصاميم الأحدث ــ دون إجراء تجارب نووية تتجاوز العائد الصفري. وعلاوة على ذلك، فإن الصين، التي أجرت أقل من 50 تجربة قبل وقف التجارب النووية في حقبة تسعينيات القرن الماضي – مقارنة بأكثر من 700 تجربة أجرتها روسيا و1000 تجربة أجرتها الولايات المتحدة – ولديها خطة طموحة للتحديث النووي، سوف تستفيد أكثر من غيرها من التجارب النووية المفتوحة منخفضة المستوى.
وسوف تتكلف التجارب الأمريكية مئات الملايين إلى عدة مليارات وسط التأخيرات الطويلة والمكلفة في التحديث النووي الأمريكي. ونظرا لأن مسألة التجارب النووية تؤجج التوترات بالفعل، ينبغي على وزارة الطاقة أن تستمر في توضيح المعايير الفنية للتجارب الأمريكية الجديدة، وما إذا كانت الإدارة تعتزم التخلي عن سياسة العائد الصفري. وترى ستريكر أنه يجب على واشنطن تبرير الفوائد الفنية لاستئناف التجارب على مستوى منخفض مقابل المخاطر للوقف العالمي للتجارب ، بما في ذلك احتمال التسبب في إنطلاق تجارب واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم وزيادة انتشار الأسلحة النووية.




