غياب الهدف لدى الشباب .. أزمة وعي ام أزمة واقع

بقلم : هلال بن سعيد بن حمد اليحيائي
رئيس مركز بهلا الثقافي للعلوم والابتكار
عندما كنت أقرأ كتاب «قانون النجاح» لنابليون هيل، الذي أكمل أكثر من مئة عام على صدوره الأول بعد عملٍ دام عشرين سنة،تحدث هيل عن أهم قوانين النجاح في الحياة، وهو أن يحدِّد الإنسان هدفًا يسعى إلى تحقيقه. فبدون هدفٍ واضحٍ للإنسان،سيقضي طيلة حياته تائهًا ومشتّتًا، ويبقى في مستوى معيشيٍّ ثابتٍ لا يتغيّر وقد أشار الكاتب في ذلك الوقت إلى حقيقةٍ مهمّة،وهي أن 95% من البشر لا يملكون هدفًا واضحًا في حياتهم، ولذلك لا يمتلكون القدرة على تحقيق أي نجاحاتٍ، سواء على مستوى التعليم أو العمل أو ريادة الأعمال هذه الحقيقة التي ذكرها الكاتب قبل قرنٍ من الزمان جعلتني أفكر اليوم: هل ما زلنا، ونحن في القرن الحادي والعشرين، نمضي في هذه الحياة بلا هدف؟
فمع أننا نعيش في عصر المعرفة والذكاء الاصطناعي وزيادةمخرجات التعليم الجامعي وسهولة التواصل الرقمي عبر الوسائلالمفتوحة، فإنّ الأمر المحزن – كما تؤكده بعض الدراسات الحديثة – هو أن الظاهرة ما زالت مستمرة فقد اطّلعتُ على دراساتٍ أُجريتبشكلٍ مباشر مع الشباب في بريطانيا والولايات المتحدة، وجاءتنتائجها لتبيّن أن أكثر من 70% من الشباب لا يملكون هدفًاواضحًا، ولا يعرفون ما الذي يريدون اختياره، كما انهم غير قادرين ان يقتنصوا الفرص المتاحة والتوافق معها . وفي ذلك يوضح التقرير العربي للتنمية المستدامة لعام 2024 م الصادر من الاسكوا بان نسبة الباحثين عن عمل مازلت في حدود 11 % وعدد الذين يعيشون باقل من 2 دولار في حدود 20 من العالم العربي، وهو مايشكل خطرًا كبيرًا وخسارةً للاقتصاد العربي تُقدَّر في حدود 2.3 % من الناتج المحلي الإجمالي لعدد 11 دولة عربية .
إنَّ أهمية أن يكون للإنسان هدفٌ واضحٌ في الحياة تكمن في أن يكون هذا الهدف قابلًا للتنفيذ، يسبقه رغبةٌ قويةٌ، ثم قرارٌ سريع يتبعه عملٌ جادٌّ على تحقيقه فهذا الهدف المحدَّد هو الذي يبقى في ذهن الإنسان ليلَ نهار، ويشغل تفكيره طوال اليوم، ويستحضره قبل النوم، ليراجع ما أنجزه منه يوميًا، حتى يصل في النهاية إلى تحقيقه وهذا الارتباط الوثيق بين الهدف وبين الذات والدافعية والرغبة وسرعة اتخاذ القرار، تؤكده الدراسات العلمية الحديثة؛ إذ أثبتت دراسة أُجريت على أكثر من مئة شخصية ناجحة في مختلف المجالات أن جميعهم يشتركون في صفة سرعة اتخاذ القرار، وهي سمة مرتبطة بوجود هدفٍ واضحٍ في الحياة فالشخص الذي لا يملك هدفًا محددًا، لا يجد ما يتخذ بشأنه قرارًا، بل يبقى في دائرة الخوف والشك والتردد والتسويف وتشير الدراسات العلمية كذلك إلى أن هذا الخوف من المستقبل المنتشر بين فئةٍ واسعةٍ من الشباب، قد أدى إلى ظهور أمراضٍ نفسيةٍ متعددة، أصبحت بدورها تحديًا كبيرًا للأُسَر والحكومات والمجتمعات، بما في ذلك المؤسسات التعليمية و الصحية والأجهزة الأمنية .
دعونا ننظر إلى أبرز المبتكرين والقادة ورواد الأعمال الناجحين الذين حققوا إنجازاتٍ عالمية غيّرت مجرى التاريخ؛ لأنهم امتلكو اهدفًا واضحًا منذ بداية مشوار حياتهم، وكرّسوا جهدهم لتحويل أحلامهم إلى واقعٍ من خلال العمل الجاد والمثابرة فمن هؤلاء توماسإديسون، مخترع المصباح الكهربائي، الذي كان هدفه دراسة قوانينالطبيعة واكتشاف ما يمكن أن يفيد البشرية منها؛ ولهذا قدّم للعالم سلسلة من الابتكارات التي غيّرت مسار الحضارة الإنسانية وهناكهنري فورد، رجل الأعمال الأمريكي وأحد أقطاب الصناعة فيالقرن العشرين، الذي جعل هدفه توفير وسائل نقل تعمل بتكلفة أقلوكفاءة أعلى. وقد استطاع فورد تحقيق ذلك من خلال تصنيعالسيارات بأسعارٍ منخفضة وكمياتٍ كبيرة، وكان له الفضل فيابتكار المحرك الحديث الذي ما زالت السيارات تعمل به حتى اليومولننتقل إلى شخصياتٍ معاصرة كانت لها رؤية واضحة وأهدافمحددة؛ مثل بيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، الذي وضعنصب عينيه هدفًا بسيطًا لكنه عظيم: أن يكون في كل بيتٍ ومكتبٍجهاز كمبيوتر. وقد تحقّق هذا الهدف بفضل ما قدّمته شركته منثورةٍ في عالم البرمجيات والتقنية ونجد أيضًا جيف بيزوس، مؤسسشركة أمازون، الذي بدأ بهدفٍ بسيط هو إنشاء موقع إلكتروني لبيعالكتب عبر الإنترنت، ثم توسّع حلمه ليجعل من أمازون اليوم واحدةمن أكبر شركات التجارة الإلكترونية والخدمات السحابية والابتكارالتقني في العالم وهكذا، فإنّ القاسم المشترك بين جميع هؤلاءالناجحين قديمًا وحديثًا هو أنهم امتلكوا هدفًا محددًا، وآمنوا به،وسعوا لتحقيقه بخطواتٍ عمليةٍ واضحة، فحوّلوا أفكارهم إلىمنجزاتٍ واقعيةٍ ألهمت ملايين البشر حول العالم .
أنَّ الإنسان الذي يعيش بلا هدفٍ واضحٍ ولا خطةٍ محددة، يشبهالسفينة في عرض البحر بلا دفّة؛ تبقى تائهةً بين الأمواج والرياح،ومصيرها في نهاية الأمر الغرق فالإنسان لا يكفيه أن يعمل أويذهب يوميًا إلى المدرسة أو الجامعة من دون أن يدرك ماذا يريد أنيحقق في هذه الحياة. لذلك، ليس غريبًا أن نرى آلاف الخريجينالذين تخرّجوا ولم يستطيعوا اقتناص فرص العمل العديدة المتاحةفي الحياة، وأخيرا نستشهد بمقوله ونستون تشرشل حيث قال ” المتشائم يرى الصعوبة في كل فرصه والمتفائل يرى الفرصة في كل صعوبة “.




