علماء يعقدون مقارنة بين خواص العمل الجماعي لدى الانسان والنمل

وهج الخليج – وكالات
في مطلع القرن الماضي، توصل الباحث والمهندس الزراعي الفرنسي ماكس رينجلمان إلى نظرية في مجال علم النفس الاجتماعي تحمل اسمه مفادها أنه في سياق العمل الجماعي، كلما زاد عدد الأشخاص الذين يضطلعون بأداء مهمة ما بشكل مشترك، قل المجهود الذي يبذله كل فرد منهم.
واستخلص رينجلمان هذه النتائج من خلال تجربة عملية لجذب الحبل، حيث تبين له أنه عندما يقوم شخص بعملية الجذب بمفرده، فإنه يبذل مجهودا بنسبة 100% في أداء المهمة، ولكن مع زيادة عدد المشاركين في الجذب، يقل حجم المجهود الذي يبذله كل منهم، لدرجة أن حجم المجهود الذي يبذله كل واحد من المشاركين في التجربة يتراجع إلى النصف تقريبا عندما يصل عدد أفراد المجموعة إلى ثمانية أشخاص.
ولكن فريقا من الباحثين في علم البيئة السلوكي بأستراليا جاء بعد أكثر من 100 عام، وأعاد تكرار التجربة باستخدام فصيلة من النمل تعرف باسم النمل النساج Oecophylla Smaragdina ، ولكن النتائج هذه المرة جاءت مغايرة تماما، حيث تبين أن النمل يعمل بجهد أكبر كلما زاد عدد أفراد المجموعة. ومن المعروف أن النمل النساج يبني أعشاشه من أوراق الشجر بين الأغصان، وقد يتكون العش الواحد من أكثر من 300 ورقة، حيث يقوم بطي الأوراق وربطها بواسطة خيوط قوية تفرزها يرقات النمل من أجل تحويلها إلى غرف داخل العش. وتتطلب هذه المهمة قوة جذب هائلة ومجهود جماعي تبذله عاملات النمل التي تترابط مع بعضها وتتحول إلى سلسلة حية قادرة على جذب وطي أصلب الاوراق.
وتؤكد الباحثة مادلين ستيواردسون المتخصصة في علم البيئة السلوكي بجامعة ماكواري بأستراليا أن النمل النساج يستطيع تحسين قدرته على التعاون في بناء الأعشاش كلما زاد عدد النمل الذي يشارك في العمل. وأضافت في تصريحات للموقع الإلكتروني “سايتيك ديلي” المتخصص في الأبحاث العلمية أن “كل نملة تضاعف مجهودها في الجذب مع زيادة عدد المشاركين، بمعنى أنها تعمل بشكل أفضل مع زيادة أفراد المجموعة”. وفي إطار التجربة التي نشرتها الدورية العلمية Current Biology المتخصصة في مجال أبحاث الأحياء، قام الباحثون بتصنيع جهاز يشبه موقع لبناء عش النمل النساج، ووضعوا داخل الجهاز ورقة شجر من أجل تحفيز مجموعة من النمل للقيام بعملية الجذب في محاولة لطي الورقة واستخدامها في بناء العش، وربط الباحثون الورقة بخيط معدني رفيع يمنع جذبها لمسافة أكثر من ثلاث سنتيمترات. وبدأوا في قياس حجم القوة المبذول في جذب الورقة مع وجود أعداد مختلفة من النمل تشارك في العمل بدءا من نملة واحدة وصولا إلى سلسلة تتكون من 17 نملة في المرة. وأوضحت ستيواردسون أن “النمل خلال التجربة قام بتقسيم العمل إلى مهمتين، حيث قامت مجموعة بالجذب وقامت الأخرى بتثبيت السلسلة على الأرض”. وتوصل الباحثون خلال التجربة أن متوسط القوة التي تبذلها كل نملة تكاد تكون قد تضاعفت مع زيادة أعدادها، بمعنى أن النمل لم ينجح فقط في تلافي تأثير نظرية رينجلمان، بل نجح أيضا في تحقيق العكس.
ويقول الباحث دانيال كارليسو من جامعة كونستانس ومعهد ماكس بلانك لدراسة سلوكيات الحيوان في المانيا، وهو من المشاركين في الدراسة، إن “المهمة التي تؤديها كل نملة كانت تتوقف على ترتيبها في السلسلة، بمعنى أن النمل في المقدمة كان يتولى مهمة الجذب بنشاط، في حين أن النمل في آخر السلسلة كان يتولى عملية المقاومة والتثبيت من أجل اختزان قوة الجذب”. ومن جانبه، قال الباحث ديفيد لابونت من كلية لندن الملكية والمشارك في الدراسة، في تصريحات لموقع سايتيك ديلي: “لقد وجد الفريق البحثي أن هذه الطريقة محورية في زيادة إسهام كل نملة مع زيادة عدد الفريق، فسلاسل النمل الأطول كانت أكثر ثباتا على الأرض مقارنة بنملة واحدة، وبالتالي كانت أكثر قدرة على مقاومة اندفاع الورقة للعودة إلى وضعها الأول”.
ويؤكد الباحث كريس ريد المتخصص في علم البيئة السلوكي بجامعة ماكواري أن هذا الاكتشاف قد يساعد المتخصصين في ابتكار أنظمة عمل أفضل للروبوتات.، ويوضح أن حجم الناتج الذي يصدر عن الروبوتات الحالية لا يختلف إذا كانت تعمل بشكل فردي أو في إطار مجموعة، ولكن النمل النساج أظهر أنه من الممكن تحقيق نتائج أفضل بكثير في حالات العمل الجماعي. ويقول إنه “لم يفكر احد من قبل في انتهاج أسلوب مشابه لما يفعله النمل لتوليد طاقة إضافية وتوظيفها في استخدامات الروبوتات متعددة الأرجل، ولكننا نخطط للقيام بذلك”، لاسيما بعد أن أثبتت التجارب ذات الصلة أن هذه النوعية من الروبوتات يمكن أن تعمل بشكل أفضل على التضاريس المركبة.
ويقول ريد إن “برمجة الروبوتات من أجل انتهاج استراتيجيات تعاونية على غرار النمل قد يسمح لفرق الروبوتات ذاتية الحركة بالعمل سويا بشكل أكثر فعالية، وتحقيق أهداف تفوق قدراتها إذا ما عملت بشكل فردي”.




